“اللعب بالوقت”… مزايدة جديدة تسمح للحزب بـ”خط الرجعة”؟

آية المصري
آية المصري

تزامناً مع وصول الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين الى بيروت يوم الأحد الماضي، قرر الاعلام الحربي التابع لـ”حزب الله” نشر فيديو تحت عنوان “اللعب بالوقت غير مفيد”، وهذا الفيديو الذي تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر رصد إحداثيات منصات إستخراج الغاز، ورصداً حديثاً للسفن الإسرائيلية في حقل “كاريش”، وذلك ليؤكد الحزب كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله بأن أهداف إسرائيل تحت مراقبة الحزب، وفي حال قررت إستخراج النفط أو المس به فسيكون لها بالمرصاد.

الفيديو أثار موجة إستفزاز كبيرة لدى شريحة كبيرة، خصوصاً وأن هوكشتاين حمل معه في هذه الزيارة مقترحاً إسرائيلياً ملغوماً وأجواء إيجابية. وفي السياق أشار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب الى أن فيديو “حزب الله” الجديد لا يمثل موقف الدولة اللبنانية.

من هنا تطرح جملة من التساؤلات: لماذا إنتظر “حزب الله” توقيت مجيء هوكشتاين لنشر هذا الفيديو؟ وهل ستتأزم المفاوضات بعده؟ وهل الدولة تحت رحمة الحزب؟ وماذا عن المرحلة المقبلة وإحتمالية شن حرب؟

مصادر مطلعة على ملف ترسيم الحدود تؤكد لموقع “لبنان الكبير” أن الفيديو “لن يكون له تأثير سلبي أو إيجابي لأنه ضمن المزايدات الموجودة في السوق، وحزب الله يعطي انطباعاً في آخر المسار بأنه صاحب القرار في الدولة اللبنانية. بمعنى أنه في حال وجد الحزب مصلحة لايران ستمشي المفاوضات وسيقول انه حقق ذلك من خلال الضغط وأتى بالمصالح، وفي حال رأى أن لا وجود لأي مصلحة لايران سيقول انه عرقل المفاوضات وكل هذا ضمن المناكفات السياسية والمزايدات التي يفتعلها الحزب بصورة مستمرة ولا قيمة لها”.

عندما يوافق “حزب الله” على ملف الترسيم فهذا يعني أن المفاوضات الإيرانية – الأميركية باتت ممتازة، وهذا الموضوع غير مرتبط بطرح معين بل بما يحدث في فيينا والمصلحة الايرانية في الشرق المتوسط. ومن الواضح أن القرار في مكان آخر وليس بيد الدولة اللبنانية، بحسب ما تشير المصادر.

وبالنسبة الى امكان شن حرب في القريب العاجل، توضح المصادر أن “الأمور تنضبط في الكثير من الأحيان نتيجة المصالح المشتركة ولكن هناك موضوعان متوازيان، المفاوضات النووية في فيننا من جهة، وإستخراج الغاز من الشرق المتوسط من جهة أخرى. وبالتالي الملفان في توازن واحد وفي حال تقدم ملف سيتقدم الآخر، وفي حال عرقلة أحد الملفات سيعرقل الآخر وهناك ستكون إمكانية الحرب واردة جداً”.

في المقابل، فان نشر هذا الفيديو هو عبارة عن جزء من أساليب الحرب النفسية التي تخلط الأوراق وتشكل ضغطاً على الأطراف المتلقية، سواء العدوة في الخارج والمعادية لـ “حزب الله” في الداخل، تظهر قوته وامساكه بأطراف اللعبة في وقت يبدو فيه أن وضعه ووضع ايران لم يعودا في أحسن حالاتهما، وفق ما تؤكد الكاتبة والأكاديمية منى فياض، التي تتساءل “ماذا سيخسر الحزب اذا أقلق العدو وأظهر قدراته اللوجيستية في المراقبة والتجسس وأخاف أخصامه في الداخل الذين يتكاثرون يومياً، ويسمح له ذلك في الوقت نفسه بخط الرجعة؟ اذا حصل الترسيم على الرغم من تهديده الذي لا نعرف اذا كان جدياً أم لا، يكون بسبب ضغطه ويقول للبنانيين أنا أحضرت لكم الغاز. واذا كان ضرورياً لايران أن تفشل المحادثات يصعّد وربما يفتعل حادثاً امنياً”.

انها حرب نفسية وأداة ضغط عند الضرورة، بحسب ما تصفها فياض، معتبرة أن “من غير الواضح الى أين ستؤدي لأن اللاعبين كثر والأوضاع دقيقة عموماً والحاجة ماسة الى الغاز والطاقة، والحزب يستغل ذلك لتحصيل مكاسب في وقت حساس ودقيق”. وتقول: “على كل حال ماذا سيفيد استخراج الغاز اذا حصل تحت سلطة المنظومة نفسها؟ سيكون وسيلة تسمح لها بالاستمرار في الامساك بالسلطة وهدر العائدات على السمسرات وشراء الضمائر بقبول ضمني من المجتمع الدولي الذي لا يهمه الآن سوى الاستجابة لتحديات مفاعيل الحرب في أوكرانيا ومنها تأمين الطاقة لأوروبا والعالم الغربي بأي ثمن”.

اما النائب السابق فارس سعيد فيقول: “لا أعلم ماذا سيحدث، لكن في حال تم ترسيم الحدود برضى حزب الله وذهبنا الى استقرار في المنطقة أي الاستثمار المشترك بين لبنان وإسرائيل يصبح اتفاق 17 ايار اتفاق اطار وطني بالنسبة الى ما يحدث اليوم. واذا كان حزب الله قادراً فعلاً على أن يجلب حقوق اللبنانيين الاقتصادية من خلال المسيّرات والعضلات فلماذا يذهب الى المفاوضة مع هوكشتاين، ولماذا سيسمح للدولة اللبنانية بأن تفاوضه، في حال كانت هناك قدرة على انتزاع حقوق لبنان؟ واذا كان لا يملك القدرة الكافية فلماذا انتفض البارحة على 17 ايار 1984؟ هذه المنطقة تنام على شيء وتستيقظ على شيء آخر وقرار السلم والحرب ليس بيد حزب الله بل بيد إيران”.

“دخول المقاومة على خط التفاوض أضاف ثقلاً معنوياً ومادياً الى جانب الدولة، بحيث أن المقاومة تعتبر قبل ذلك أن هناك إنحيازاً أميركياً الى إسرائيل وموقف الدولة ضعيف في التفاوض، وبالتالي دخلت كي توازي مع الموقف الأميركي المنحاز الى إسرائيل وكي تدفع المفاوضات قدماً الى الأمام”، حسب وجهة نظر المحلل السياسي غسان جواد، الذي يلاحظ أن “هوكشتاين قبل كلام السيد حسن نصرالله كان لا يسأل عن لبنان، وبعد كلامه عاد الى تقديم مقترحات جديدة، وفي هذا السياق تأتي اجراءات المقاومة ومنها الطائرات المسيّرة أو الفيديو الأخير الهادف الى إيصال رسالة واضحة تتمثل في أن المقاومة تمسك بيدها زمام الأمور، وأن أي مماطلة أو تسويف في إقرار حقوق لبنان سيؤدي الى مواجهة، والى منع الاسرائيلي من القيام باستخراج النفط والغاز من هذه المنطقة”.

ويضيف جواد: “الوسيط الأميركي قدم مقترحاً جديداً، ونحن بحاجة الى وقت كي نرى كيف سيتعاطى معه اللبنانيون، وكم ستأخذ مدى الأمور أي هل ستتجاوز شهر أيلول؟ وهل ستكون هناك مماطلة أم التزام؟ وأعتقد أنه حدث تطور إيجابي اليوم (امس) ولكنه غير كاف وبحاجة الى متابعة”.

من الواضح أن قرار السلم والحرب ليس بيد الدولة اللبنانية، وأن ما قام به “حزب الله” ليس سوى بروباغندا جديدة من أجل كسب الشيعة ومناصريه الى صفه، وهو يسعى بكل ما لديه من نفوذ الى ضمان مصلحة إيران، وفي حال تطور الأمر بالى شن حرب على إسرائيل فلن يتوانى لحظة واحدة، لأن إيران بالنسبة اليه أولاً ولبنان آخراً.

شارك المقال