ميشال سماحة… للقصة بقية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من الغريب هذا التطبيل والتزمير لخروج ميشال سماحة من السجن من دون خجل، من فريق “حزب الله” وممانعيه، وعنونة خروجه بأنه خروج الى الحرية، وكأنه مناضل أو بطل وليس عميل استخبارات للنظام السوري، بعدما كان مستشاراً لرئيسه بشار الأسد، ولم يعد أحد يندى جبينه من التعامل مع مجرم ثبتت عليه التهم بنقل مواد متفجرة في سيارته لتنفيذ مخطط إرهابي يقضي بإغتيال قيادات دينية في الشمال وإشعال فتنة طائفية ومذهبية.

ما لفت نظري في ميشال سماحة عندما كان وزيراً للاعلام، علاقته المتينة بسوريا وقياداتها الأمنية، وأذكر أنه في احدى المرات كنت أجري حواراً معه في منزله في الأشرفية، وحين هممت بالمغادرة قرع جرس منزله، فنهض ليفتح الباب بينما كان يودعني ويهو منشغل بالحديث مع القادم، الذي كان مجرد عامل أتى ليقبض أجرته عن تصليح كومبيوتر لاحدى بناته كما فهمت، ففتح سماحة أمام ناظري حقيبة “سامسونايت” ملأى بالدولارات، تشبه حقائب أبطال المافيات في الأفلام، وتناول من رزم الدولارات مئة دولار وأعطاها للعامل، بينما ودعته أنا متعجبة من هذا الاستعراض المالي أمامي، وسألت نفسي لماذا لم يتناول من جيبه المئة دولار وكيف يضع المال في حقيبة عند مدخل البيت؟ ومن أين له كل هذا؟ هل هو مصرف متنقل؟ الاجابة ربما جاءت حين انكشف مخطط سماحة وموجهه رئيس جهاز الأمن السوري اللواء علي مملوك لاحقاً في العام 2012، عبر نقل عبوات الموت من دمشق الى بيروت، بنية تفجيرها وقتل شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين على الحدود بين سوريا ولبنان. وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن 4 سنوات ونصف السنة، الى أن جاء 14 كانون الثاني 2016 حين وافقت محكمة التمييز العسكرية على إخلاء سبيله مقابل كفالة مالية قدرها 150 مليون ليرة لبنانية (100 ألف دولار) آنذاك.

منع سماحة من السفر خارج الأراضي اللبنانية لمدة عام، ومن الإدلاء بتصريحات صحافية، الا أنه لم يلتزم الصمت، معلناً أنه سيتابع عمله السياسي بصورة طبيعية وأن إخلاء سبيله من حقه القانوني.

ولكن لاحقاً، أصدرت محكمة التمييز العسكرية اللبنانية، حكمها النهائي والمبرم في نيسان بسجن سماحة 13 سنة مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية بتهمة نقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان، بغرض استهداف شخصيات لبنانية ورجال دين.

وكانت السلطات الأمنية اللبنانية أعلنت إعتقاله في 9 آب 2012 بتهمة نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان ومحاولة تفجيرها شمالي البلاد في عكار لإثارة فتنة طائفية، وهو ما وصفه الرئيس السابق ميشال سليمان بأنه “مخطط مرعب” لضرب استقرار البلاد. وتم حجز عبوات متفجرة وهواتف وأفلام وحواسيب ومبالغ مالية، كانت معدة لتنفيذ اغتيال شخصيات يتقدمها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومفتي طرابلس والشمال مالك الشعار والنائب خالد الضاهر.

وبعد يومين وجه القضاء العسكري إلى سماحة تهمة التخطيط لـ”عمليات إرهابية واغتيالات” في البلاد، وفقاً لاعترافات تعززت بتسجيلات بالصوت والصورة، وواجه تهماً خطيرة منها تشكيل عصابة مسلحة، ووضع مخطط لاغتيال مسؤولين وسياسيين لبنانيين، والنيل من سلطة الدولة وهيبتها واستقرارها، ونقل أسلحة إلى لبنان بالتنسيق مع اللواء مملوك وعقيد سوري مجهول الهوية اسمه عدنان. لكنه اعتبر أنه “استدرِج ووقع ضحية مخطط أمني وضعته مخابرات داخلية لبنانية وخارجية”، معترفاً بتسلمه 170 ألف دولار من النظام السوري.

حسب القانونيين كان من الممكن أن يحكم على سماحة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة في حال لم يفض مخططه الاجرامي الى نتيجة، اما في حال حصولها فالعقوبة تكون الاعدام، لكن سماحة نفد من أقصى العقوبات وفقاً لحكم يمكن وصفه بـ “السياسي” بدعم من “حزب الله”، وعملياً طرحت تساؤلات عما إذا كان سيطبق عليه سحب الجنسية اللبنانية كما يحصل عادة في محاسبة العملاء لصالح دولة أجنبية.

وكان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي قد تدخل بطريقة غير مباشرة في القضاء اللبناني ليعلن براءة علي مملوك من التهم الموجهة اليه بضرب أمن اللبنانيين واستقرارهم، معتبراً أن لا دلائل عليه وأن الاتهامات مركبة. ووصفت تصريحاته آنذاك بــ “الوقحة”، ووجهت اليه انتقادات، إذ لا يحق له ولا لأي شخص مهما كانت صفته التدخل في الملفات العالقة في القضاء اللبناني، وإبداء الرأي بإعتبار ذلك خرقاً لسرية المحاكمات والتحقيقات وتدخلاً في شؤون العدالة.

أصبح المجرم ميشال سماحة طليقاً اليوم اما شريكه الارهابي اللواء مملوك فلا يزال يصول ويجول دولياً لأن القضاء اللبناني لم يعمم مذكرة التوقيف الغيابية بحقه والتي تدينه بجريمة التخطيط لخمسة وعشرين تفجيراً وعملية اغتيال في لبنان، فالسلطات اللبنانية لم تطلب من الانتربول تعميم المذكرة دولياً حتى اليوم!

وهنا لا بد من التذكير بأنه في حزيران 2007 أعلنت الادارة الأميركية قرار منع سماحة من دخول أراضيها بصحبة عدة شخصيات لبنانية وسورية بحجة «التورط أو إمكان التورط في زعزعة الحكومة اللبنانية»، و«رعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السورية على لبنان». وفي 17 كانون الأول 2012 أدرجت الولايات المتحدة سماحة على لائحة الإرهاب ومنع المواطنين الأميركيين أفراداً ومؤسسات من عقد صفقات معه وتجميد أية أصول له.

عمل سماحة في الدائرة المقربة من الرئيس الأسد، وقدم نفسه مراراً بوصفه مستشاره للشؤون الفرنسية، وأحياناً معاوناً لبثينة شعبان. وظل بعيد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، من أشد المدافعين عن نظام بشار، وتردد أنه كان من المساهمين في بلورة أساليب الأسد في مواجهة النزاع السوري الداخلي، بإثارة الخوف من “الجماعات الاسلامية المتطرفة”.

اليوم خرج سماحة مجرداً من كل حقوقه المدنية، ولا بد من منع ممارسته أي نشاط سياسي أم تجاري وهو المتهم أيضاً بإختلاس أموال الدولة. فهل سيلتزم سماحة ومشغلوه بذلك أم تحاك أدوار جديدة له لتعويمه؟

شارك المقال