محاولات فاشلة لنسب إنجاز الثروة النفطية الى “الصهر العبقري”

محمد شمس الدين

الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين إلى بيروت بثت أجواء إيجابية في ملف ترسيم الحدود، الذي يبدو قاب قوسين من التحقيق، ومع هذه الأجواء الإيجابية، سارع فريق العهد و”التيار الوطني الحر” الى نسب هذا الانجاز لنفسه، فبدأ نوابه ومسؤولوه وإعلاميوه وناشطوه، يسوّقون بروباغندا أن التيار، وتحديداً رئيسه جبران باسيل، هو أول من فتح ملف الثروات النفطية في لبنان، متهماً كل أركان الدولة بإهمال الملف، فما حقيقة هذه الاتهامات؟ وهل “التيار” فعلاً هو صاحب الانجاز في الملف النفطي؟

إذا بحثنا في تاريخ لبنان عن الثروات النفطية، فقد نجد أن الأمر يثار منذ السيتينيات، وكان للإمام المغيب السيد موسى الصدر دور كبير في الإضاءة على احتمال وجود مثل هذه الثروات في لبنان، ولكن بسبب الحرب والأزمات، لم يأخذ الملف طابع الجدية وقتها، حتى جاءت حكومة الرئيس رفيق الحريري في بداية الألفية الجديدة.

وزير الطاقة والمياه السابق النائب أيوب حميد أوضح في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “موضوع الثروة النفطية أثير في العام 2003، وكنا قد بدأنا بإشراف الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعمليات الاستكشاف، وأجرينا كل البحوث والدراسات، وقامت شركة سيكتروم بإجراء المسوحات السيزمية للبقعة التي هي حدود لبنان الاقتصادية. وبدأنا وقتها بتحديد المناطق التي يمكن أن يتواجد فيها نفط وغاز، على أساس أن الخطوات الثانية هي معلومات الداتا التي جمعت كي يتم بيعها لمن يرغب، ولاحقاً طرحها في عمليات التلزيم، وتم إطلاع رئيس الجمهورية وقتها إميل لحود على الملف، ولكن لاحقاً تغيرت الحكومة، وأتت حكومات جديدة، وعملت بمنهجية كأن شيئاً لم يكن، وبدأت من الصفر، وأضاعت تعبنا، وكأن الإدارة ليست استمرارية”.

الدولة اللبنانية تعاقدت مع ثلاث شركات منذ العام 2003 حتى العام 2010، من أجل إجراء مسوحات زلزالية ثنائية وثلاثية الأبعاد على كل الشاطئ اللبناني، بحسب ما أكدت الخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا القيسي، لافتة الى أن “التيار الوطني الحر ينسب هذا العمل لنفسه، كونه تسلم وزارة الطاقة في الفترة التي انتهت فيها المسوحات وبدأ العمل الجدي على تلزيم البلوكات النفطية، ولكن استكشاف لبنان ثرواته النفطية بدأ قبل تسلمه الوزارة”.

وفي انتقاد لانعدام شفافية عمل الدولة في ملف الثروات النفطية وتحديداً لجهة داتا المسوحات وبيعها، أشارت القيسي الى أن “كل الداتا موجودة في غرفة في مصرف لبنان وعند إدارة البترول، وهي تباع كـ (باكيج) إلى الشركات الأجنبية، كي تعرف أين تنقب، وعندما جاء الكونسورتيوم توتال ونوفاتيك وإيني وقدم عروضاً للدولة اللبنانية، كانت بناء على هذه الداتا، ولكن العقد الأساس بحد ذاته مختف، وليس واضحاً كم هي نسبة الدولة من الأموال كلما أتت شركة واشترت هذه الداتا، ونحن بالمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، طالبنا بالشفافية في هذا الموضوع، وكل ما وصلنا إليه مع الدولة هو الاعلان عن الأموال التي حصلت عليها، والتي تقدر بحوالي 45 مليون دولار، وقيل لنا إن هذه الأموال موجودة في حساب مستقل في مصرف لبنان، ويشرف على مراقبته وزير الطاقة، ومدير المنشآت النفطية في الوزارة، ولكن لم يحددوا كيفية الحصول على هذه الأموال، ولم تبرز أي مستندات تظهر كم هو السعر الأساس، فـ (الباكيج) بدأ بيعها في العام 2010، وتأخذ النسبة الأكبر الشركة التي قامت بالمسوحات، ولكن لا توجد أي مستندات عن قيمة نسبة الدولة، لذلك يجب القيام بالتدقيق في هذا الحساب والملف، من أجل الشفافية”.

إذاً كما تبين، ملف الثروة النفطية في لبنان ليس إنجازاً لصهر العهد جبران باسيل، ووزارة الطاقة قبل أن يسيطر عليها، كانت قد قامت بواجبها في هذا الملف سابقاً، والتيار بعد استلامه لها قد يكون أخّر إنجاز الملف بسبب رميه كل العمل السابق والبدء من جديد، ولذلك كل هذه البروباغندا لنسب الإنجاز الى العهد الفاشل في كل المجالات لا تصح، إلا إذا كان الصهر العبقري قد اخترع آلة أعادته بالزمن آلاف السنين، وجمع بضعة ملايين من العوالق في مياه لبنان، وضغطها تحت الطبقات الرسوبية لتتحول بعد آلاف السنين إلى غاز.

شارك المقال