سنتان… والصدمة كابوس لا ينتهي

جنى غلاييني

هي جراح غير مرئية خلّفها انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، هذا الانفجار الذي ما كان أحد ليتوقع اطلاقاً أن يحدث، حدث في قلب العاصمة بيروت وتسبب باستشهاد أكثر من 230 ضحية، واصابة أكثر من 7 آلاف، وخلّف دماراً هائلاً في المنازل والمؤسسات أسفر عن تهجير ما لا يقل عن 300 ألف من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة من منازلهم. بعد سنتين لا تزال آثار الكارثة محفورة في عقول وقلوب الكبار والصغار، والحزن والصدمة يوغلان عميقاً في نفوسهم، من دون معرفة خيط يوصل الى الحقيقة حتى الآن…

في مدينة كان الناس فيها يعانون من أزمة اقتصادية غير مسبوقة وعدم استقرار سياسي، أتى الانفجار ليزيد في حالة الألم واليأس، ويترك جروحاً وجراحاً من الصعب أن تندمل ولو بعد مرور السنين، ما دفع بمنظمات الصحة النفسية إلى اتخاذ إجراءات لدعم المتضررين.

كان من بين الضحايا الأصغر سناً إسحاق أويلرز وعمره سنتان وألكسندرا نجار وعمرها ثلاث سنوات. لكن عدد الأرواح التي لا يزال الانفجار يحصدها بصورة غير مباشرة مأساوي.

في الأيام التي أعقبت الانفجار، أقامت المنظمات غير الحكومية خطوطاً ساخنة وعيادات لدعم الأشخاص الذين يعانون من الضيق النفسي والصدمات والقلق بسبب ما حدث. أما الآن وبعد عامين، أصبح مدى التأثيرات غير المرئية للانفجار على الصحة العقلية معروفاً أكثر، ومما يزيد الصدمة النفسية وأعراضها أن لبنان يعيش أسوأ أزمة وسط التضخم والبطالة ونقص الغذاء والوقود، بحيث أصبح نصف سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

كان هذا النهار الأسوأ في حياة سارة التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل، والبالغة من العمر27 سنة، وتسكن في الجميزة، وكانت يومها عائدة من عملها سيراً على الأقدام، والشوارع شبه خالية من الناس، إذ كان معظمهم يلتزم بالحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا. وتقول لـ “لبنان الكبير”: “ما لفتني حينها أنّ بعض الشباب كانوا يركضون باتجاه معين ويصرخون أن حريقاً كبيراً اندلع وأخذوا يصورون بهواتفهم سحابة كبيرة من الدخان، وما كدت أدخل الى المبنى حيث يقع منزلي حتى شعرت بهزة أرضية أعقبها بعد ثوانٍ معدودة دوي انفجارٍ كبير دفعني بقوّة الى المدخل، فتمسّكت بالدرابزين خوفاً واعتقاداً مني أنّ شيئاً ما سيحدث أيضاً وأنّ الأمر لم ينته عند هذا الحد”.

وتكمل سارة: “لم أستطع البقاء وحدي على الدرج فخرجت الى الشارع وكان الغبار يملأ المكان حاجباً الرؤية عني، ورأيت الناس يركضون حاملين أشخاصاً تغمرهم الدماء، وحطام الأبنية المنهارة، وسمعت الصراخ يأتي من كل مكان، كان المشهد أشبه بفيلم رعب حقاً”.

سارة باتت تحمل خوفاً كبيراً من الأصوات، والدماء، والدخان وآثار الصدمة لم تفارقها منذ ذلك اليوم المشؤوم، اذ بعد مضي 7 ساعات على الانفجار وصلها خبر وفاة صديقتها متأثرةً بجروحها البليغة. وتضيف: “بعد أيام صارت حالتي النفسية تتدهور بسرعة وأنا أسكن بعيدة عن أهلي، وبدأت لاحقاً بجلسات العلاج النفسي، ولكنني حتى الآن لا أزال أعاني من الصدمة”.

من أسوأ الصدمات التي يمكن أن يتلقاها الانسان هي الصدمة التي خلّفها انفجار 4 آب، هكذا عبّر مايكل البالغ من العمر 31 سنة بعدما عاش لحظات أكثر من مرعبة في حيه في الكرنتينا، “لم نعرف وقتها ما حصل، كنت مستلقياً على سريري، ولولا يسوع لكنت ميتاً الآن، لأن الخزانة وقعت على السرير وأنا وقعت مع قوة الانفجار أرضاً، ولدى سماع صراخ أمي واخوتي هرعت لانقاذهم فرأيت وجه اختي ويديها غارقين بالدم، وأخي كان مفقوداً، والناس في الخارج في حالة يرثى لها فعلاً، فالجرحى ينزفون على الأرض والدماء في كل مكان، والدمار يوحي وكأن حرباً أو زلزالاً عصفا بالمكان”.

مايكل هو أيضاً وعائلته من ضحايا الصدمة النفسية، ولا يزالون حتى اليوم يحملون آثارها في داخلهم، وأصبحوا لدى سماعهم أي صوت قوي كالطيران الإسرائيلي ينبطحون أرضاً… ضحايا الصدمة التي خلفها الانفجار كثيرون، وبينهم ربما من لا يزال يفضّل أن يبقى صامتاً على الرغم من الأذى والأثر النفسي الكبير الذي يطعنه كالسكين في كل مرة.

شارك المقال