لبنان و”لوديسيا”… وحصاد العقوبات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

طرح إعلان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، السماح للباخرة “لوديسيا”، الآتية من روسيا الاتحادية مروراً بلبنان إلى سوريا، بالمغادرة من قبل رئاسة مرفأ طرابلس، “وفقاً للأصول القانونية اللبنانية”، أسئلة كثيرة عما إذا كانت هذه الباخرة التي قدمت من البحر الأسود قد نالت حكم البراءة اللبناني من كونها، بحسب السفارة الأوكرانية، حملت قمحاً وشعيراً سرقتهما روسيا من أوكرانيا، علماً أنه كان بإمكانها أن ترسو في المرافئ السورية وليست بحاجة الى الرسو في مرفأ طرابلس، مما يثير الشكوك ويضفي غموضاً على حقائق لا يريدون لها أن تظهر.

إذاً، فتح قرار حمية باب التكهنات حول السماح لها بالإبحار فيما لا تزال القضية مستمرة ويجري تقديم مستندات حولها قد تغير مجرى ما اتخذ سابقاً، علماً أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كان أصدر سابقاً قراراً بإخلاء سبيل الباخرة والسماح لها بالإبحار، لعدم التثبت من جرم جزائي بحقها. وكانت “لوديسيا” احتجزت بقرار من قاضي الأمور المستعجلة في الشمال زينب رباب، بهدف كشف المحكمة على حمولتها ومستنداتها، وحيث لم يعرف حتى الآن لماذا رست في لبنان من غير معرفة صاحب الحمولة ولا مصدر الحبوب.

ويبدو أن لبنان السائب يستقبل بواخر مجهولة بصورة دائمة، ففي السابق جاءت سفينة “روسوس” لترسو في مرفأ بيروت محملة بنيترات الأمونيوم وتسببت بالانفجار الكبير الذي دمر العاصمة وآلم أهلها منذ سنتين وحتى اليوم، فيما لا يزال المجرم الفاعل مجهولاً والتحقيقات في خبر كان والمتهمون محميين بالسلطة الفاسدة التي تقتل أبناءها من دون أن يرف لها جفن.

وقدم سفير أوكرانيا في لبنان إيهور أوستاش، في مؤتمر صحافي مستندات جديدة حول الباخرة الأوكرانية المسروقة تستوجب إعادة النظر في القرار القضائي اللبناني بالسماح للباخرة بالابحار، مشيراً إلى أن تحميلها حسب “المانيفيست” جرى في ميناء Kavkaz وهو ميناء ضحل للغاية، ويمكنه استقبال السفن التي لا يزيد غاطسها عن 5 أمتار وحمولتها الإجمالية 9331 طناً، أما غاطس السفينة” لوديسيا” فيبلغ 8 أمتار وحمولتها 12744 طناً.

وكان مفاجئاً أن يكون لبنان أول دولة تصلها باخرة حبوب أوكرانية بعد الاتفاق الذي تم في تركيا لحل أزمة الغذاء العالمي والسماح للبواخر الأوكرانية بالعبور بسلام من دون أن تعترضها القوات الروسية، وعليه ستصل الباخرة “روزني” الى لبنان بعد أن جرى تفتيشها في اسطنبول، مما يعني أن الطريقة الأفضل للحصول على الغذاء ليست عبر التهريب من المافيات التي قد تؤدي الى كوارث كما حصل في انفجار المرفأ الذي سجل ضد مجهول ولا نزال بعيدين جداً عن كشف الحقيقة ومحاسبة الفاعلين على جريمتهم كما يبدو عليه الحال.

والسؤال متى تقفل مرافئنا في وجه من يتهربون من العقوبات ويورّطون لبنان بحماية سلطاته ويضعون العباد في آتون جهنم ويكبرون من حجم معاناته يوماً بعد يوم؟

لقد أثار وصول باخرة “لوديسيا” الى مرفأ طرابلس ضجة كبيرة بسبب تحرك السفارة الأوكرانية والاعلان عن أنها انطلقت من مرفأ أوديسا في شبه جزيرة القرم وتحمل حبوباً مهربة بصورة غير قانونية وقد تعرّض المرفأ الذي رست فيه والشركة التي نقلت البضاعة والدولة الى عقوبات، وهذه الباخرة من المفروض أن عليها عقوبات دولية. وقد حاولت السفارة الروسية في بيروت التملص من المشكلة بالقول إنها لا تعرف شيئاً عن هذه الباخرة الخاصة ولا علاقة لروسيا بها. لكن أقاويل تسربت عن أنه بعد التدقيق تبين أن الباخرة “لوديسيا” سورية يملكها تجار سوريون يحاولون الالتفاف على العقوبات ويريدون إما بيع محتوياتها في السوق اللبنانية أو نقل ما تحتويه الى سوريا وتهريب موادها عبر الحدود، وبالتالي إنقاذ سوريا من تهمة عدم الالتزام بالعقوبات، كما إنقاذ روسيا المتهمة من أوكرانيا بتهريب حبوب مسروقة، وهنا جرى استخدام لبنان كونه يعاني من أزمة وتحديداً أزمة رغيف والسوق السوداء مفتوحة.

لا بد من التذكير بانذارات الدول الغربية للبنان من أجل عدم الاذعان لنظام الأسد ومخابراته وللسماسرة الروس والسوريين لأنه سيدخل لبنان في عنق الزجاجة، وقد أدى ذلك الى مصادرة الحمولة ولكن صدر القرار باخراج الباخرة من لبنان والسماح لها بالمغادرة مما يعني إغلاق التحقيق ولا عقوبة على الفاعلين، حتى أنه لم يصدر أي قرار حول ما توصلت اليه فحوص الحمولة وما اذا كانت ستستخدم كسماد أم للخبز والبيع الرسمي، وهذا يتطلب جرأة وموقفاً صريحاً من الدولة وعدم الخضوع لابتزازات الأسد في ظل حمايته المباشرة من الروس و”حزب الله” الذي يتلاعب بالدولة على هواه الإيراني.

أمام الحالة المضحكة – المبكية التي نشهدها والتي تصلح لتكون فيلماً هيوليودياً بإمتياز، حول الباخرة المسروقة، التي أخرجت من روسيا عبر البحر الأسود ورست في مرفأ طرابلس، نستذكر باخرة النيترات التي انتقلت من البحر الأسود الى مرفأ بيروت وكان أصحابها أيضاً، وهم سوريون يستخدمون لبنان للافلات من العقوبات الدولية وممارسة الأعمال بصورة غير قانونية ولاأخلاقية، لا بل اجرامية لأن هؤلاء يحملون جنسيات أخرى لا سيما روسية ويدفعون فاتورة للروس.

والمفارقة اليوم هي في إدخال باخرة قانونية أشرفت عليها الأمم المتحدة حسب توزيع الحصص العالمية ووفقاً للتراتبية التي تحتاجها كل دولة، مما يضع لبنان أمام مسؤولية تجاه المجتمع الدولي، فهل نتبع القوانين ونلتزم بعدم الانصياع الى مافيات الاستخبارات التي تحاول العبث بأمننا الاقتصادي والغذائي، أم نتبع طريقاً غير شرعي ولا نلتزم بدولة القانون وبالتالي نصبح مجرد منفذين لأوامر الأسد ومافياته ونرضى باستخدامنا وسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه حسب “قانون قيصر”؟

لقد أظهرت قضية الباخرة “لوديسيا” من خلال الضجة التي أحدثتها والتحرك الديبلوماسي أن لبنان تحت الرقابة الدولية وأن أي خطأ يمكن أن يقع سيدفع ثمنه، وأن أي تغطية على ممارسات تخرق القوانين الدولية لن يستطيع مواجهة تحدياتها وسيدفع أثمانها.

شارك المقال