غادة عون والملفات الضائعة

عاصم عبد الرحمن

قبل أحداث ثورة السابع عشر من تشرين الأول 2019 كانت غادة عون مجرد مدعي عامٍ استئنافي في جبل لبنان تمارس مهامها كأي قاضٍ بصورة يومية، ولكن بعد إنطلاق شعار “كلن يعني كلن” تسلحت القاضية بسيف العهد القضائي وأطلقت حملة مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، فهل أنقذت بذلك “التيار الوطني الحر” من تهمة الفساد والخراب أم ورطته بالمزيد منهما؟

مداهمة، مهاجمة، مصادرة، مواجهة، مصطلحات بوليسية طبعت مسيرة القاضية غادة عون الثورية بحيث أصبح الإعلام والجمهور اللبنانيين على موعد شبه يومي مع حدث مداهمة أحد مكاتب المتهمين بملفات فساد، تهاجم مقرات عملهم رفقة قواتها المسلحة ببنادق العهد القوي، تصادر أجهزة الحواسيب مصطحبةً إياها إلى منزلها مطلقةً مواجهة صدامية مع مَنْ يتجرأ ويسألها ماذا تفعلين؟

وعلى الرغم من تعدد الملفات التي عملت القاضية العونية على كشفها أمام الرأي العام بشعبوية مطلقة على وقع هتاف جماهير “التيار الوطني الحر”، إلا أن تعداد هذه الملفات يبقى جملاً غير مفيدة ذلك أنها بقيت حبراً على ورق لم تستكمل حتى قضية واحدة منها، تلك هي متطلبات الشعبوية التي يرتجى من خلالها خلق قضايا وهمية إلهاءً للرأي العام بينما المطبخ السياسي يعمل في مكان آخر.

لعل الحادثة الأكثر طرافة التي طبعت مسيرتها هي مواجهتها مع النائب السابق هادي حبيش بحيث تواجها كشخصيتين قانونيتين حينها وقفت عاجزة عن مجابهة القانون بالقانون ففضلت إخلاء قوس محكمتها للهرج والمرج الشعبوي المطلق.

أما الحدث الأهم الذي طبع مسار السيدة القاضية فهو وفاة رئيس مجلس إدارة “مكتف للصيرفة وتحويل الأموال” ميشال مكتف، بحيث حمَّلها ذووه مسؤولية وفاته معنوياً على اعتبار أن شركته خاصة وغير معنية بالفساد المالي العام الذي تسعى إلى مكافحة مرتكبيه من دون إمكان سوقهم إلى ميدان العدالة.

والقضية الأبرز التي حسمت القاضية غادة عون متابعتها حتى الرمق الأخير هي إسقاط حصن حاكم مصرف لبنان مهما تكلفت من أثمان معنوية وارتكابات مادية قانونية من دون التزامها بمرجعيتها القانونية مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وهي من أجل ذلك اقتحمت خزنات المصرف المركزي بحثاً عن المتهم رياض سلامة علها تجده مختبئاً في إحدى الزوايا، عدا عن مداهمتها منزله لحظة إطلالاته الإعلامية لكسب أعلى نسبة متابعة جماهيرية ممكنة.

تتعدد روايات المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان والنتيجة واحدة “جعجعة بلا طحين” كيف لا ورئيس الجمهورية ميشال عون يعطل التعيينات القضائية لأشهر وسنوات حمايةً لموقعها سياسياً ومنعاً لنقلها قانونياً بهدف متابعتها لمسرحية “التيار الوطني الحر” في مكافحة الفساد وفتح ملفات مَنْ يتعارض ومصالحه السياسية؟

وهي إذ حاولت خطف أنظار الرأي العام اللبناني التي شخصت نحو فساد السلطة السياسية ومطالبته بإسقاط الطبقة الحاكمة وعلى رأسها أركان العهد القوي إبان ثورة 17 تشرين، إلا أنها زادت بجبهاتها المتشعبة طين فساد “التيار الوطني الحر” والقصر الجمهوري بلة فساد حماية الفاسدين وتغطيتهم دفاعاً عن منظومة مهترئة، فلم يبقَ أمامها سوى تحقيق المزيد من الإنجازات القضائية الوهمية من أجل تضييع بوصلة الفساد والفاسدين.

وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أنه حتى نهاية عهد ميشال عون ستكثف غادة عون من حملاتها الكفاحية الشعبوية على اعتبار أنها خلال هذه المدة تكون محمية من رجال العهد القوي.

العدل إذاً أساس الملك وليس الغطرسة السلطوية، وإذا كانت القاضية غادة عون قبل 17 تشرين الأول 2019 قد اختلفت عما بعده، فهل ستبقى نفسها ما بعد 31 تشرين الأول 2022؟

شارك المقال