لاجئون جرحى… في أعلى قمة أفريقية

محمد شمس الدين

تنتشر الحروب في العالم الذي نعيش فيه… هي حروب السلطة والمال والثروات، ولا يهم تجارها كمْ ضحية تسقط من أجل مصالحهم، المهم أن يسير “البزنس” على ما يرام. قد يظن البعض أن أسوأ ما يحصل هو أن يموت الأبرياء بسبب الحروب، ولكن الأسوأ حقيقة هم الذين يبقون أحياء بجروح وإصابات يتعايشون معها طيلة حياتهم، وتحديداً الأطفال منهم، الذين قد يخسرون أحد أطرافهم، أو يشوّهون من الحروق والاصابات، عدا عن العامل النفسي الذي يرافقهم مدى الحياة، ولاسيما أنهم سيعيشون في مخيمات اللاجئين فترة طويلة من حياتهم.

تمكن فريق يضم لاجئين من سوريا وأوكرانيا وأفغانستان، إضافة إلى الصحافية الدولية ورئيسة جمعية “إنارة” أروى دايمون والمتسلق العالمي الأردني الفلسطيني مصطفى سلامة والمصور العالمي ليوناردو أفتزانو من الوصول إلى قمة جبل كليمنجارو على ارتفاع 5895 متراً، وهي أعلى قمة في أفريقيا، وأكبر بركان في العالم.

تعد المغامرة التي بدأت في 20 تموز الماضي واستمر التحضير لها سنوات وتأجلت بسبب جائحة كورونا، واحدة من النشاطات التي تحاول جمعية “إنارة” – الشبكة الدولية للعون والإغاثة والمساندة International Network for Aid، Relief and Assistance القيام بها من أجل استمرار عملها في العلاج الصحي والنفسي للأطفال المتأثرين بالنزاعات في البلدان التي تنشط فيها. وتهدف هذه المغامرة إلى جمع مبلغ 700 ألف دولار لعلاج أكثر من مئة طفل على قائمة الانتظار.

المدير الإعلامي للمنظمة عماد بزي تحدث لموقع “لبنان الكبير” عن هذه المغامرة، معتبراً أنه “أمر مذهل أن يستطيع هذا الفريق من اللاجئين ممن عانوا من ويلات الحرب على الصعيد النفسي والصحي أن يصل إلى قمة كليمنجارو. نحن فخورون بهم للغاية”، وأوضح أن “الهدف من الحملة أن نظهر للأطفال المتأثرين بالنزاعات أنهم قادرون على تخطي الصعاب والوصول إلى قممهم الخاصة في الحياة، وليس فقط قمة كليمنجارو”.

الفريق يضم عدنان الرملي، لاجئ سوري مقيم في برشلونة، أصيب عندما كان طفلاً برصاص قناص في سوريا، ولدى وصوله إلى لبنان تولت جمعية “إنارة” علاجه، وأصبح اليوم بطلاً رياضياً ولو على كرسيه المتحرك.

تاتيانا، اللاجئة الأوكرانية في إيطاليا، تعرضت للعنف الأسري عندما كانت طفلة، وكبرت في ملجأ للأيتام، ومؤخراً عندما اجتمعت مع والدتها مجدداً، اندلعت الحرب في أوكرانيا، وعاشت ظروفاً صعبة ونامت في الملاجئ لأيام قبل وصولها إلى بر الأمان. تقول إنها صعدت قمة الجبل من أجل كل أحبائها الذين خسرتهم.

شقائق التي تقول إنها تحب أفغانستان أكثر من أي شيء، قتل والدها هناك على أيدي مسلحين، وتعرضت والدتها الصحافية المحلية للتهديد ما أجبرها على مغادرة البلاد.

صفا، التي تعرضت لعارض صحي ووصلت إلى ارتفاع 4000 متر لم تتمكن من الصعود إلى القمة، علماً أن وجهها وجسدها مغطيان بالحروق نتيجة دخولها إلى مبنى مشتعل لإنقاذ إخوتها من الموت قبل سنوات.

المسؤولة الإعلامية للمنظمة في مكتب بيروت سارة نصر الله، علقت على ذلك بالقول: “تعيش صفا كلاجئة في لبنان، وصولها إلى هذا الارتفاع مدعاة فخر لها وبطولة جديدة، فهي كلاجئة لم يتسن لها أبداً الذهاب في رحلات سير طويلة، فكيف بتسلق قمة مثل كليمنجارو؟”.

“هل تعلمون من سيرث الأرض؟ تجار السلاح، لأن الجميع سيكونون مشغولين بالتقاتل، هذا هو سر النجاة”. هذه الجملة قالها الممثل نيكولاس كيج في فيلمه Lord Of War، الذي يتحدث عن قصة تاجر سلاح يتعامل حتى مع الدول العظمى، وهو تجسيد دقيق لتجار الحروب في العالم.

وبما أن المدينة الفاضلة تبدو بعيدة المنال، فالذين يعانون من نتائج النزاعات يحتاجون الى بعض الأمل، لذلك فتسلق أعلى قمة في أفريقيا، قد يشجع الآخرين على المثابرة لتغيير أوضاعهم، وتخطي المصاعب والقمم الصعبة في الحياة، على أمل أن تستطيع الأجيال القادمة القضاء على آفة الحروب.

شارك المقال