وسيط “ما قبضش حاجة”

مروان المهايني

امتهن بعض اللبنانيين الذين حظوا بعلاقات شخصية متميزة مع المسؤولين في دمشق، إبان فترة الحرب الأهلية والتواجد السوري، التوسط للإفراج عن سجناء ومطلوبين أو لتيسير أمور ومصالح تجار ورجال أعمال لبنانيين.

وفوجئت بأحدهم، أثناء زيارته إلى منزل الشهيد الحريري في الشام، يسألني بهمس عما إذا كنت ما أزال صديقًا للعميد فلان، رئيس الفرع المخابراتي الفلاني، والذي كان قد شاهدني معه في مأدبة اقيمت له في أحد مطاعم شتورا. وحين أجبته بـ”نعم” أبدى رغبته في التعرف إليه والطلب منه الإفراج عن معتقل لديه.

استغربت الطلب وقلت له: ما حاجتك إليه وأنت على تواصل ودود مع خدّام ومع ناصيف (أبو وائل) وهما قادران على الإيعاز هاتفياً لهذا العميد بتلبية طلبك؟ فقال مبتسماً: مو محرزة توصل لهونيك.

هاتفت العميد وطلبت موعداً واخبرته أن فلاناً سيكون معي ويريد التعرف إليك. فلم يمانع لمعرفته بأن له صلات عالية المستوى، ووافق مسروراً. فذهبنا غليه ودار حديث “شيّق” حول الشأن اللبناني والوطني والقومي والإقليمي، وانتهى بطلب الإفراج عن الشخص الموقوف، ليأخذه معه ويعيده إلى عائلته النافذة في منطقته.

سارع العميد بطلب ملف الشخص وتفحصه، ثم قال لفلان: انه عندي كوديعة قبل أن يحال للمحكمة لكن تشريفك غالٍ وسأعطيك إياه!

بعد أيام، هاتفني العميد سائلاً بسخرية: قديش قبضت من فلان الذي عرفتني عليه للإفراج عن المهرب؟

وقبل أن أجيبه سارع إلى إبلاغي بأن فلاناً قبض من عائلة المهرب (……) دولار مقابل وساطته وأنت “ستظل أجدب”!

وحين أبلغت المرحوم الحريري بالخبرية عن زائره ابتسم وقال: طبعًا لم يكن لفلان أن يطلب وساطة الكبار في مسألة كهذه. ونصحني بتجنب الوساطات وقال: ممكن يكون قال لعائلة المهرب أن المبلغ الذي قبضه هو لك وللعميد!

كان الحريري رحمه الله أعلم بهم، مضطراً للتعامل معهم وتحمل “لدغاتهم” التي لها حديث آخر.

يبقى أن فلاناً المذكور صار فيما بعد نائباً ووزيراً ومليونيراً، ولولا أنه الآن في غيبوبة الاحتضار لذكرت اسمه.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً