باسيل مريض “الوسواس السني”… يبثّ سمومه على الطائفة

راما الجراح

تجاوز النائب جبران باسيل سقفه بكثير، وتمادى على الدستور ورئاسة الحكومة بصورة لم تعُد تطاق. “مُحب السلامة” الدجال، كُنا نعتقد أن حقده لا يتجاوز “الحريرية السياسية”، حتى بان للجميع مدى كرهه للطائفة السنيّة عموماً، ومحاولته السيطرة بكل السُبل على طرح أسماء لتشكيل الحكومة، وتفصيلها كما يرغب وعمّه. واهمٌ إذا أبقى تفكيره عند هذا المستوى، فهذه المرّة أصبحت أوراقه مكشوفة، وحرب البيانات والتعطيل بحماية “حزب الله” لم تعد تنفعه.

تشكيل الحكومة يقرره رئيس السلطة التنفيذية، الموقع السني الأول، الذي حاول باسيل مراراً ضربه منذ تسلمه موقع المسؤولية إلى اليوم، مع رئيس الجمهورية ميشال عون حصراً. يحاول جاهداً تعطيل التشكيل، والتضييق على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بتماديه المبالغ فيه، فمشكلته ليست رئيس الحكومة أو حتى الحكومة بقدر ما هي “وسوسته” للسيطرة على مقر الطائفة السنية ضارباً بإتفاق الطائف عرض الحائط، على الرغم من زعمه الحرص على تطبيقه من باب دعوته الدائمة إلى إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ، وهي ليست إلا دعوات مسمومة لتغطية حقيقته المكشوفة للصغير والكبير.

مريض وحقود

عند أول مفترق طريق يقوم باسيل بتغيير وجهته، وعند أول فرصة يحاول إغتيال إتفاق الطائف، فهو مَن طالب بتعديلات دستورية لتحديد مهلة لرئيس الجمهورية لاجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة على أن تنسحب المُهلة نفسها على الأخير لتأليفها، ما اعتبره مصدر مطلع “محاولة لإعطاء حق الفيتو لرئيس الجمهورية كي يرفض التوقيع على التشكيلة الوزارية”. باسيل مُصاب بمرض “الوسواس القهري” الذي يُعرّف بأنه نوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالقلق، تتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية تؤدي إلى تكرار بعض التصرفات إجبارياً، مما يعوق الحياة اليومية. وهو كذلك، فشله في كل السنوات التي تسلم فيها موقع المسؤولية وخاصة وزارة الطاقة والمياه، واكتشافه أن نسبة كبيرة من الشعب اللبناني تحمّله المسؤولية الأكبر في فساد هذا القطاع، جعلاه ينكب على بثّ سمومه على الفئة التي يحمل عليها في قلبه حقداً دفيناً. غير ذلك، جميعنا يُدرك مدى حقد الرئيس عون وصهره على هذه الطائفة، وعلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالذات، بسبب محاولة الانتقام من الطائف من جهة، ومن جهة ثانية قهرهما من نجاح الحريري في إعادة لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم في الوقت الذي أوصل هذا العهد البلاد إلى جهنم.

أكد علماء النفس أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب واعون أن تصرفاتهم الوسواسية غير منطقية ويحاولون تجاهلها أو تغييرها، لكن هذه المحاولات تزيد الشعور بالضيق والقلق، لذلك تعتبر هذه التصرفات بالنسبة إليهم إلزامية للتخفيف من الشعور بالضيق. والمثال الأكبر على ذلك أننا كنا نظن أن حقد باسيل يتمثل في وجود الرئيس سعد الحريري في سدة الرئاسة أو في الحياة السياسية في لبنان وحسب، وعليه استمر مسلسل التعطيل لسنوات وأدى إلى الوصول بلبنان إلى الهاوية، حتى اكتشفنا بعد خروج الرئيس الحريري من المشهد السياسي أن باسيل يحاول التخفيف من ضيقه عن طريق موقع رئاسة الحكومة كونها السلطة التنفيذية علّه يصل بها إلى حكومة بتراء وعرجاء ليُرضي غروره، ولكنها ستبقى خطاً أحمر لو “بيورموا اجريهن” إلى دار الفتوى!.

نعم فعلها باسيل، خلال جولاته الانتخابية، اذ اغتنم فرصة عدم مشاركة تيار “المستقبل” في الاستحقاق الانتخابي، وغياب الرئيس الحريري عن الساحة السياسية، فتوجه إلى أهل السنة بأنه لا يقبل أن يستقوي عليهم أي طرف خارجي أو مكون لبناني، وأنه لم يقبل في الأساس أن يتعرضوا للغدر أو للخيانة من أي طرف داخلي أو خارجي، وأنه إلى جانبهم دائماً. وكان فخامة عمّه قد سبقه على المنوال نفسه، بزيارة إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان قبل الإنتخابات، وأكد أن مشكلته فقط كانت مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري الذي سعى إلى إكمال مسيرة والده، ولكن لا مشكلة مع أهل السنّة ككل. وفي آخر المطاف لا يوجد سنّي عاقل، لا يعرف أنّ كلّ ما فعله ميشال عون، وخطط له، منذ عودته إلى لبنان من منفاه الباريسي، هو لإخراج أهل السُنّة من المعادلة اللبنانية فقط، ولم يستفيقوا عليهم إلا عند حاجتهم إليهم في الانتخابات.

لمحة سريعة عن فشله 

لم تخرج من فم باسيل أي طروحات أو أفكار إنمائية، وعندما أتعب نفسه في التفكير، طالب بسد المسيلحة في البترون الذي كلّف ملايين الدولارات، إضافة إلى أعمال الصيانة التي كانت آخر دفعاتها ٢.٥ ملياري ليرة للمتعهد العام الماضي، وأكد خبراء البيئة الانخفاض السريع لمستوى مياه الخزان في السد بحوالى 12 متراً، مقارنة بمستوى المياه الذي شهده الخزان خلال شهري آذار ونيسان، بمعنى أن المياه تختفي سريعاً والتربة غير صالحة. عدا عن فشله في تشغيل محطات التكرير وصيانة الشبكة المهترئة وتنظيم عشوائية الآبار الجوفية، وتدمير أجمل وديان لبنان. وتعتبر كل السدود التي طالب بها وتم بناؤها بسببه، مخالفة للقوانين، من سد القيسماني مروراً بسد جنة وبقعاتا والمسيلحة وبلعا حيث بدأ تنفيذها قبل إعداد دراسات تقويم الأثر البيئي والاجتماعي.

هذه المشاريع نُفذت من دون درس أثرها البيئي، كما أنها كبّدت الخزينة ملايين الدولارات، بينما معظمها لم يثبت جدواه. فهذه السدود تمتلئ لأيام معدودة ثم تتسرب منها المياه، وتبقى خزانات المواطنين جافة على مدار السنة. ولن نتطرق إلى الحديث عن الفشل في قطاع الكهرباء، فجميعنا يعلم بالفساد الذي تسبب به باسيل وتياره في وزارة الطاقة، حتى بتنا نشتاق الى النور في منازلنا.

تبين أن أقصى طموحات هذا المريض هي إيصال البلد إلى مكان يفتح باب الاشتباك بين طرفين أحدهما سنّي، أو رمي الفتنة، أو محاولة انتزاع صلاحية الرئيس المكلف وتجييرها له وهذا ما يتعارض مع الطائف طبعاً، ويعود بنا إلى ما قبل تعديل الدستور، ويؤدي إلى إلغاء الشراكة في السلطة التنفيذية، حيث كان الرئيس يسمّي الوزراء ويختار من بينهم رئيساً للحكومة، وتبقى السلطة التنفيذية في يده حصراً. عموماً، نتمنى له الشفاء من هذا المرض الذي يمكن “يجيب آخرته”، لأنه يبدو فعلاً أن الحكومة “مش حرزانة” في هذا العهد، فلم يعد أمامنا سوى 82 يوماً، والسلام…

شارك المقال