انقلاب العهد على مبدأ التجنيس

محمد شمس الدين

جرت العادة في لبنان أن يصدر في نهاية عهد أي رئيس جمهورية، مرسوم تجنيس يطال بعض فئات مكتومي القيد، وهو عرف اعتاد القيام به رؤساء الجمهورية، كرسالة وداع محببة قبل أن يغادروا منصبهم. ولكن هذا العرف تغيّر نوعاً ما، ففي بداية عهد الرئيس ميشال عون صدر مرسوم تجنيس، طال شخصيات ليست من مكتومي القيد اللبنانيين، بل من دول عدة، وبعد البحث والتدقيق تبين أنها شخصيات تملك جنسية بلدها، ومرتاحة مادياً، مما دعا البعض وقتها إلى التشكيك في كيفية حصولها على الجنسية اللبنانية، وهل دفعت ثمنها، ولمن؟ اليوم في نهاية عهد الرئيس عون، يتم الحديث عن مرسوم تجنيس جديد يسوّق له فريق العهد، فهل سيكون كمرسوم بداية العهد؟

موقع “لبنان الكبير” كشف بالأمس تفاصيل مرسوم التجنيس، وكيف رفضه كل من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، ولكن فريق العهد لا يزال مصراً على تمرير المرسوم ولو بالقوة، علماً أن المرسوم السابق تسبب بغضب المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لأن الأمن العام يفترض أنه المعني بدرس طلبات التجنيس، وتحديداً من الناحية الأمنية، وتبين لاحقاً أن بعض المجنسين في المرسوم القديم لا يستوفي المواصفات المطلوبة، كما أن من بينهم أصحاب ملفات أمنية من تهريب ومخدرات ومطلوبين من الانتربول وغيرها من الملفات التي لا تؤهل صاحبها للحصول على الجنسية. وهنا تتساءل الأوساط السياسية والأمنية إن كان سيمر المرسوم الجديد كما سابقه، أي من دون إشراك الأمن العام فيه، بما يعتري ذلك من خرق أمني، ولاسيما إذا كان من بين مقدمي الطلبات مطلوبون لدول أخرى أو للانتربول.

من جهة أخرى، تستغرب أوساط سياسية إقدام العهد و”التيار الوطني الحر” على خطوة التجنيس، فقد خاض الرئيس عون وتياره معارك سياسية ضد شخصيات عدة في السلطة من منطلق مراسيم التجنيس، وخصوصاً في فترة التسعينيات، بل إنهما اعتبرا أن التجنيس هدفه الاخلال بالتوازن المسلم -المسيحي، لصالح المسلمين، بينما هما اليوم فعلياً يبيعان الجنسية اللبنانية، ومن غير المعروف كمْ يُدفع ثمنها، وإلى جيب من. فهل مبادئ التيار، التي بغض النظر عما إذا كانت محقة أم لا، معرّضة للبيع في السوق الرخيص؟ وترى الأوساط أن “أداء التيار السياسي منذ تمرد رئيسه على الشرعية في العام 1989 إلى اليوم يقول نعم، فالتيار الذي حمل لواء السيادة ومحاربة سوريا وحزب الله، أصبح حليفهما الأول، ويلاحظ تناقض التيار في العديد من الملفات في الساحة اللبنانية، ومنها مثلاً موضوع وزراء رئيس الجمهورية، الذي كان الرئيس عون بنفسه ينتقد هذا الأمر ويعتبر أنه لا يجب أن يكون هناك وزراء للرئيس، وأصبح بعد تسلمه المنصب أكثر المطالبين بهم. كذلك الأمر من ناحية مصرف لبنان، فعندما كان هناك طلب في السابق للتدقيق في حسابات المصرف المركزي، عارض التيار ذلك الأمر، واعتبر أن الأمر سيضرب سمعة لبنان المالية، بينما يقود اليوم معركة إعلامية من منطلق التدقيق الجنائي”.

وتتابع الأوساط: “كثيرة هي الأمثلة على تقلبات التيار، قد يكون أهمها تقلب موقفه من القضاء، فهو في البداية يرفض التدخل في عمله، ولكن الرئيس عون تدخل بنفسه عندما أصدر القاضي علي إبراهيم قراراً بحجز أملاك المصارف وأوقفه، عدا عن أنه يستخدم القضاء لخدمة أجنداته السياسية في العديد من الملفات، لذلك فإن انقلابه على مبدأ التجنيس ليس غريباً، وهو بالطبع سيحاول تمرير هذا المرسوم الذي يبدو أنه يفيد محظيين برتقاليين، قبل أن ينتهي عهده”.

اما أوساط “التيار الحر” فتعتبر أن “الأمر يأخذ ضجة أكبر مما ينبغي، فمرسوم التجنيس الذي يحكى عنه ينقسم إلى قسمين: الأول من منطلق قانون استعادة الجنسية اللبنانية، وهو متعلق بمنتشرين لبنانيين لم يستحصلوا على جنسية بلدهم. أما القسم الثاني فهو من منطلق اقتصادي بحت، بحيث أنه يضم رجال أعمال عرباً وأجانب، يمكن الافادة من رؤوس أموالهم في البلد، ولاسيما في هذا الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان”، مؤكدة أن “لا عمولة لأحد في هذا المرسوم كما يحاول البعض التسويق، وهذه الحملات هي من ضمن الحملات التي تستهدف العهد والتيار منذ وصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة. وكل ما يحصل هو تحت سقف القانون، ومن صلاحيات رئيس الجمهورية، التي لا يحق لأحد المس بها”.

إذاً التيار الذي خاض حروباً سياسية تحت مسمى مراسيم التجنيس أصبح هو من يقرها، كما كل مسيرته المليئة بالتناقض، وبتغيير المواقف حسب المصلحة السياسية، وترى بعض القوى السياسية أن المصلحة المادية تلعب دوراً في تقلبات التيار، وإن كانت هناك فعلاً مصلحة للبناني في تجنيس بعض الشخصيات، فلم لا يمر على الجهة المخوّلة درس ملفات هذه الشخصيات، أي الأمن العام اللبناني؟ إلا إذا كان هناك نية بتمريرها من دون درسها، مما يدعو الى الشك والريبة بكل مرسوم التجنيس، ولا سيما أن الموضوع لا يتخطى الأمن العام وحده، بل يبدو أنه يتخطى رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية.

شارك المقال