لبنان على صفيح ساخن بين أيلول وتشرين!

جورج حايك
جورج حايك

يعيش لبنان اليوم على وقع استحقاقات داهمة ستتجمّع ما بين أيلول وتشرين، لذلك ستتلبّد الغيوم قريباً وقد يتهدد الاستقرار بعد موسم صيف سياحي بإمتياز سجّل فيه اقبال المغتربين والسيّاح الأجانب أرقاماً قياسية. وخطورة الوضع تكمن في ثلاثة عناوين: الأول يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. الثاني استحقاق انتهاء عهد ميشال عون ومعركة انتخاب رئيس للجمهورية. ثالثاً اهتزاز اقتصادي قد يتمثّل في ارتفاع سعر صرف الدولار ورفع الدولار الجمركي.

كل ملف من هذه الملفات يعتبر شائكاً ويحمل ألغاماً قد تؤدي إلى اضطرابات وربما مواجهات عسكرية وميدانية.

نبدأ بملف ترسيم الحدود البحرية الذي يديره المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، ويشكّل الوقت في هذا الملف محرقة لكلا الفريقين: الاسرائيلي واللبناني. الأول يريد انهاء هذا الملف قبل فصل الشتاء، في ظل السباق العالمي الشرس والمستميت على حيازة مصادر طاقة جديدة تعوّض الغاز الروسي، وتؤمّن الدفء لشعوب الدول الأوروبية. والثاني يريد أن يؤمّن حصته من الغاز مما يخفف حال الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للبنان.

وكان الطرح الأخير للبنان وصل إلى المطالبة بكامل الـ860 كيلومتراً زائداً البلوك 72 الإسرائيلي، بما يضمن حصوله على كامل حقل قانا من دون مشاركة حقوقه مع إسرائيل، مقابل التخلي عن المطالبة بحقل كاريش الذي يصبح من حق اسرائيل وخارج المنطقة المتنازع عليها. لكن اسرائيل لا تبدو موافقة على هذا الطرح، ويبدو أن الأمور متجهة إما الى الحرب وإما السلم، خصوصاً بعد دخول الباخرة اليونانية إلى حقل كاريش. فإسرائيل التي استثمرت بمليارات الدولارات لاستخراج الغاز لن تقبل أن تتراجع تحت أي تهديد، مما سيدفع “حزب الله” إلى ترجمة تهديدات أمينه العام حسن نصر الله إلى الواقع من خلال قصف الباخرة اليونانية إذا استمرت بعملها في المنطقة المتنازع عليها قبل إنهاء المفاوضات. لجوء إسرائيل إلى خطوات عملانية قد يقود إلى مواجهة، لكن المواجهة قد لا تكون هذه المرة بين اسرائيل و”حزب الله” وحسب، إنما قد تحشد الولايات المتحدة الأميركية بوارج قبالة الحقل المتنازع عليه، وستباشر إجراءات لتوفير حماية للمنصة العائمة. وربما ترسل بريطانيا سرباً من طائرات التجسس وأخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي لمسح كل المنطقة البحرية التي تلامس الحدود اللبنانية.

وقد سمع لبنان الرسمي نصائح أوروبية غير مباشرة من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بعدم التصعيد، لأن ما تقوم به إسرائيل هو استخراج الطاقة للتعويض عن النقص في الغاز الروسي، وبالتالي فهي تحظى بغطاء دولي وأميركي، وتهديدات “حزب الله” ستواجه بصرامة وربما يكون نصر الله تجاوز الخطوط الحمر. لكن الخوف أن يكون “الحزب” يعمل بأجندة ايرانية لوضع هذا الملف على طاولة المفاوضات الأميركية – الايرانية، وبالتالي قد تلجأ ايران إلى التصعيد فيه لمعرفتها بحاجة الأميركيين اليه وخصوصاً مع تزايد المعارضة الأميركية الداخلية، واشتراط موافقة الكونغرس ومطالبة إيران بإلغاء الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب.

إذاً ستتجه الأمور إلى مزيد من التصعيد، إذا لم ينته الملف في أيلول، وبالتالي أي اعتداء على الباخرة اليونانية سيكون اعتداء على مصالح دولية، وسيردّ عليه على نحو قاس ومؤلم!.

الملف الثاني الشائك ما بين أيلول وتشرين سيكون الانتخابات الرئاسية في لبنان، ومن المتوقع، وفق توازنات القوى السياسية التي أنتجتها الانتخابات النيابية الأخيرة، أن يعجز المجلس النيابي الجديد عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، بسبب عدم امتلاك أي طرف الأكثرية النيابية المطلوبة، بل يملك كل من طرفي الموالاة والمعارضة القدرة على تعطيل جلسة الانتخاب إذا لم يكن الرئيس من ضمن المواصفات المطلوبة من الطرفين!.

لئلك، يتوقع كثيرون أن يحصل شغور رئاسي يستمر لفترة طويلة حتى تنضج تسوية ما داخلياً وخارجياً، لكن الفراغ الرئاسي قد يجر إلى اضطراب أو مشكلات سياسية وتوتر، وخصوصاً مع وجود ميشال عون في الرئاسة، وما قد يجده من تبريرات ليؤمن استمراريته في هذا الموقع، علماً أن بقاءه في قصر بعبدا بعد انتهاء عهده سيكون مخالفاً للدستور! وهكذا يكون البلد دخل في مرحلة فراغ من دون رئيس للجمهورية ولا حكومة أصيلة، مما يؤدي إلى الشلل وأزمات عدة تؤخر الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي في مقابل تقديم مساعدة ملحة الى لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، منذ أكثر من سنتين.

الملف الثالث الأخطر سيكون امكان ارتفاع سعر صرف الدولار وما سيؤدي اليه من ارتفاع في أسعار المواد والسلع والخدمات، لكن هذه الأزمة ظاهرها اقتصادي – نقدي غير أن باطنها سياسي بامتياز، لأن الاقتصاد يفقد مقوّماته في ظل غياب المناخ السياسي الملائم. وللأسف لبنان أصبح زيمبابوي، حيث لا ثقة للاستثمار فيه.

أما الأخطر من كل ذلك فهو القرار برفع الدولار الجمركي والمتوقع أن يكون أربعة أضعاف ما هو عليه اليوم أيّ 6000 ليرة عوضاً عن 1500 ليرة. وقد يتم إشراك TVA بالرسم الجمركي ورفعه الى ستة آلاف أيضاً.

ومن النتائج التي ستترتب على رفع الدولار الجمركي الى ما دون 8 آلاف ليرة ازدياد التهريب من خارج لبنان الى داخله ما يعني أن البضائع ستدخل بصورة مكثّفة “خلسة” بعيداً عن عيون الجمارك، ولن تأخذ الدولة TVA عليها. أمام هذا الواقع، هناك من يتوقع أن يكون لبنان أمام احتمالين: انفجار شعبي واجتماعي كبير يتخطى ما حصل في 17 تشرين، ولن تكون نتائجه وتداعياته معروفة، وإما وصول الانهيارات والصراع السياسي الذي تشارك فيه محاور وجهات متعارضة، إلى حدود صراع على الهوية يؤدي إلى نزاع عسكري داخلي، أو إلى حرب خارجية، يفرضان وقائع جديدة.

شارك المقال