أين الحل؟

صلاح تقي الدين

انشغل اللبنانيون طيلة الأسبوع الماضي بتحليل ومحاولة سبر أغوار الزيارة التي قام بها وفد من “حزب الله” إلى النائب السابق وليد جنبلاط، ثم عادوا وانشغلوا بخبر اقتحام المودع بسام الشيخ حسين فرع مصرف “فدرال بنك” في الحمراء وانقسموا بين مؤيدين لخطوته ومعارضين لها، خوفاً من ردة فعل جمعية المصارف التي قد تصل إلى حد إغلاق أبواب المصارف ما يزيد من حجم معاناتهم معها، ثم عادوا لينشغلوا بخبر طلاق ابنة الرئيس القوي كلودين عون من زوجها النائب السابق شامل روكز. إن دلّ ذلك على شيء فعلى استسلام اللبنانيين للواقع الذي فرضه عليهم هذا العهد ومن خلفه الداعم الرئيس له “حزب الله” وعدم سعيهم الى دفع المسؤولين بطريقة أو أخرى للتفتيش عن حلّ يخرجهم من هذا الواقع المأزوم.

في الأولى أي لقاء جنبلاط و”حزب الله”، ذهب البعض إلى اعتباره بمثابة “تكويعة” عادية من جنبلاط الذي لطالما راجع مواقفه السياسية وانتهج الخط الذي يقي لبنان من خطر الوقوع في المحظور، أي الحرب الأهلية والتي اختبرها في ثمانينيات القرن الماضي، أما الواقع فهو أن جنبلاط كان، ولا يزال، وسيبقى ثابتاً في مواقفه التي يضع خلالها المصلحة الوطنية العليا ومصلحة طائفة الموحدين الدروز بالتأكيد فوق كل اعتبار، فلا يرغب في جرّ البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، ويشجّع دوماً وينادي بانتهاج الحوار كأفضل طريق لحل المسائل وتجاوز العقبات السياسية التي مهما تعاظمت فإن حلّها بالحوار يبقى أقل كلفة وأهون من المواجهة بالسلاح.

ومن الكلام الذي صدر عقب اللقاء سواء كان على لسان جنبلاط نفسه أم على لسان المعاون السياسي للأمين العام لـ “حزب الله” الحاج حسين الخليل، فإن المساحة المشتركة بين الحزبين كفيلة بتضييق الهوة القائمة بينهما على مواضيع “خلافية” في العمق وهي مسألة تدخل الحزب في الحرب السورية وصولاً إلى تواجده في اليمن والعراق ومهاجمة دول الخليج العربي وحكامها، وبالتالي الإساءة إلى علاقات لبنان العربية وانسلاخه عن عمقه الطبيعي وهو ما يعارضه جنبلاط بشدة، ناهيك عن مسألة سلاح الحزب الذي يعتبر عن حق أنها مسألة تتجاوز قدرة الفرقاء السياسيين اللبنانيين على حلّها لأن هذا السلاح هو سلاح إقليمي وحلّه يقع على عاتق القوى الاقليمية والدولية.

وتشير أوساط مطلعة على فحوى مباحثات الفريقين الى أن التركيز انصب على محاولة تأمين حلول عملية للأزمات الكبيرة التي يعاني منها اللبنانيون وفي مقدمها أزمة الكهرباء وباقي الأزمات الاجتماعية الصحية والتربوية، وترك كل المواضيع الخلافية جانباً، إذ أن الهم المعيشي يبقى الهاجس الأول المشترك بين الجميع وينبغي البحث عن حلول له.

وتضيف هذه الأوساط: “إذا لم يكن الحوار هو السبيل لمعالجة هذه المسائل، فأي طريقة يجب اللجوء إليها؟ هل المواجهة الأهلية هي الحلّ؟ بالتأكيد يحاول جنبلاط بكل ما أوتي من حنكة وخبرة تجنّب الوصول إلى هذه المواجهة، ويحاول عبر قدرته على التواصل مع الجميع تأمين الحد الأدنى من الحوار الكفيل بعبور هذه المرحلة المتوترة إقليمياً ودولياً لأن الهمّ المعيشي يبقى أولى الأولويات”.

وتشدّد هذه الأوساط على أن الدليل على عدم “تكويع” جنبلاط وعدم الخروج عن الثوابت التي يتمسّك بها، هو إيفاد نجله رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط إلى الديمان لوضع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في أجواء اللقاء والتشديد على المصالحة التاريخية بين الدروز والموارنة، والتأكيد على الحوار بين جميع الفرقاء مهما اشتد الخلاف في الرأي السياسي لعبور هذه المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.

في الثانية، اقتحام المودع بسام الشيخ حسين المصرف الذي أودع فيه وشقيقه جنى عمرهما لمحاولة الحصول على أموالهما بغية سداد كلفة علاج والدهما في المستشفى، فإن السبب محق في جميع الأحوال الانسانية والاجتماعية إلا أن الطريقة يعاقب عليها القانون لجهة احتجاز رهائن والتهديد بقوة السلاح. وهذا الأمر سبّب انقساماً بين اللبنانيين الذين اصطفوا إلى جانب المودع لضرورة حصوله على أمواله من المصرف، وبين الذين عارضوه خوفاً من أن تقدم جمعية المصارف على قرار بإقفال أبوابها أمام جميع الزبائن ما سيزيد من الأضرار التي أصابتهم أصلاً نتيجة التعاميم والقرارات التي أّدت إلى حرمانهم من حق الحصول على ودائعهم. لكن يبقى السؤال الذي راود الجميع، مؤيدين أم معارضين، كيف يمكن حلّ أزمة المودعين؟ ما هي الطريقة التي تمكنهم من استعادة أموالهم؟

وفي الثالثة، ولأن أزمات اللبنانيين أكبر من أن تحلّ، وجدوا في الخبر المتعلق بابنة الرئيس القوي وطلاقها من العميد المغوار والنائب السابق، وسيلة “ترفيه” فضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات “السمجة” أو “المهضومة” منها الشامت ومنها المرحّب، لكن في الحالتين كان السؤال الأبرز: ما هو الحلّ غير أبغض الحلال؟

ربما استسلم اللبنانيون لواقعهم المرير وأصبحوا رهينة عدّ الأيام والأسابيع التي تفصلهم عن موعد نهاية العهد الكابوس الذي حلّ عليهم منذ ست سنوات، لكن المؤكد أن العهد المقبل لن يكون وردياً بالسرعة التي يتوقعونها، ولن يكون مالكاً لحلّ سحري يخرجهم سريعاً من جهنم، لكنهم على الأقل يمنّون أنفسهم برؤية ضوء في آخر النفق على قاعدة “ما أَضيق العيش لولا فسحة الأمل”.

شارك المقال