الترسيم مجدداً الى بلوك التشاؤم… وفترة السماح تسقط

ليندا مشلب
ليندا مشلب

هل بالغ لبنان في بث أجواء التفاؤل وسمح لنفسه أن ينتشي قبل الأوان الذي لم يأت بعد أو ربما لن يأتي؟ سؤال طرحه أحد المتابعين عن كثب لملف الترسيم، قائلاً لموقع “لبنان الكبير”: “يفترض أن نكون قد تجاوزنا مرحلة الهبل السياسي، فنحن في زمن لا أحد يستطيع أن يتكهن بمسار الأمور… وعلى الأرجح ذاهبون الى مشكل كبير ولا ترسيم ولا من يحزنون، فالأوضاع الاقليمية والدولية أصبحت جد معقدة ومتقلبة والثابت فيها أن فريقاً أساسياً وقوياً في لبنان هو طرف في محور، فهل سألنا أنفسنا ماذا يريد هذا المحور؟”.

هل يريد أن يستخرج الاسرائيلي ويضخ الى أوروبا في الوقت الذي يملك فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفعل وسيلة بيده للضغط على الغرب، وهي الغاز! فالأولوية لديه هي فك الخناق عن رقبته، والغاز هو سلاحه الذي أصبح أقوى من عتاده النوعي وترسانته الجبارة فلماذا يعطي مخرجاً (Way out) ؟ هذا عدا عن أن الاسرائيلي لا يستطيع الرضوخ ليس لأنه على أبواب انتخابات وحسب، انما لأنه يعرف تماماً ماذا في بطن البحر جنوباً، ولن يتنازل عما يريده حقاً مكتسباً له في سياسة الاغتصاب والقضم… ثم انه تبلغ من الأميركي وبعض دول الخليج أن سياسة الحصار على لبنان مستمرة حتى النهاية فلماذا يرضخ اذاً؟ ويرانا أمامه نزيد وجعاً يوماً بعد يوم.

نظرية تستحق الوقوف عندها وبقراءة بسيطة يتأكد التالي:

حقل قانا جزء منه يقع خارج الخط ٢٣ جنوباً والعدو سبق أن أعلن أنه لن يقبل بترسيم خط متعرج، وهناك بطن من قانا ينزل باتجاه الخط ٢٩، الذي تعتبر اسرائيل كل ما هو داخله ملكاً لها، وحتى يحصل لبنان على قانا كاملاً طرحت اسرائيل ترتيباً يجعلها تقضم جزءاً من البلوك ٨ مقابل أن يحصل لبنان على قانا كاملاً، فتحول بذلك الترسيم الحدودي الى ترسيم اقتصادي (خطان مندمجان) خصوصاً أن البلوك ٨ بالنسبة اليها أهم بمئات المرات، ليس ليمرر أنابيب، كما أشاع اعلامه ونقل بعض اعلامنا عن قصد أو عن غير قصد هذا الترويج، بل لأن هناك مخزوناً مهماً جداً في هذا الحقل، اذ يقال في الخلايا الضيقة ان البلوك ٨ هو الأغنى في الجهة المقابلة بعد كاريش، اضافة الى ظهور دراسة مقابلة لما تم اعتقاده في السابق من أن حقل قانا مواز لكاريش على مستوى اختزانه الغاز، فالحقل لم ينقب فيه بعد، واسرائيل لم تبرز أي من معلوماتها حول المخزون هناك، وهناك مثل ضيعاوي يقول “هون في مي، وهون في جيب مي” يعني الغاز يختلف بين حقل وحقل بمسافة ١٠٠ متر وكل ما لدينا هو توقعات غير محسوبة… وهنا يبرز ما قاله مسؤول دولي بأنه تم اكتشاف حقول من الغاز في بلده فتواصلوا مع الأميركيين والفرنسيين الذين أرسلوا خبراء قالوا لنا ان الكميات ضئيلة جداً ولا تستحق الاهتمام، ثم بدأ الهجوم علينا في قضايا ثانوية، لنكتشف بعد ٦ أشهر عند بدء الحرب الروسية – الأوكرانية أن في حقولنا كميات اقتصادية هائلة، وبدأ يتوافد المسؤولون والشركات وأصبحنا بين ليلة وضحاها دولة نموذجية بالنسبة الى أميركا الغرب… وهذا يدل على أن حرب استخراج الغاز ستكون حرباً عالمية، اذ أن فاتورة الغاز في المنزل داخل ألمانيا حالياً في الصيف أصبحت تبلغ ٥٠٠ يورو، فكيف في فصل الشتاء؟ متى حصل في الزمن المتوسط والقريب أن أطفأت ألمانيا المباني الرسمية ونوافير المياه وغيرها لتقتصد في الطاقة؟ نتكلم عن ألمانيا لأنها الدولة الأوروبية الأكثر استهلاكاً للغاز من روسيا.

على أي حال فإن أيلول لناظره قريب، آموس هوكشتاين لن يعطي جواباً في القريب ولبنان أخذ موقفاً حاسماً بأنه لن ينتظر، وهنا مكمن الخطورة التي نسير على حافتها فاتحين الأذرع محاولين التوازن فيما تضيق الطريق علينا ولا نعلم متى نفقد التوازن، فاما نسقط أو يتم انتشالنا بيد لن تكون الا بعون الله، أو قرار كبير يوازي قرار الحصار لا مؤشرات له حالياً على الاطلاق.

ويكشف مصدر مسؤول لموقع “لبنان الكبير” أن المشكلة ستتفاقم في بداية أيلول اذا لم توافق إسرائيل على طلب لبنان، لأنه وفي الاجتماع الذي حصل بداية الشهر الجاري في بعبدا بين الرؤساء الثلاثة والوسيط الأميركي سمع الحاضرون من هوكشتاين “تلطيشاً” من خلال قوله: “أنا سعيد بأنكم حاضرون مع بعضكم وتوصلتم الى موقف موحد، وسأرى ماذا يمكن أن أفعل لكن لغة التهديد يجب أن تتوقف”. فتصدى له الرئيس نبيه بري بالقول: “طالما أن اسرائيل محتلة لشبر من أرضنا، وطالما أنها تحاول الاستيلاء على نقطة من مياهنا وثرواتنا سنقاوم وسنتحدث بهذه اللغة ونمارس كل الوسائل المشروعة”. فسكت الجميع، ثم توجه الرئيس بري الى هوكشتاين قائلاً له: “طلبت منك وكلفتك أن تحضر عرضاً خطياً فلماذا لم تأت به؟”. أجابه هوكشتاين: “قريباً”. فرد بري: “ليس قريباً، أحسن سعر أسبوعان… بمعنى أننا لن ننتظر”.

القصة لم تعد قصة ترسيم حدود وحسب، بل تعدتها الى الدفع باتجاه الضغط لرفع الحصار عن لبنان، فلم يعد لدينا ما نخسره ولا أذرع توجع لدينا لأن جسمنا كله ملتهب، وهنا نعود الى السؤال: هل استعجل بعض الاعلام اللبناني النصر؟ فالأمور لا تسير بالسلاسة التي توقعناها، والوسيط الأميركي لم يذهب الى إسرائيل ليحضر لنا صك الاتفاق. الصورة لا تزال ضبابية، وما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” ليس عابراً من أننا وصلنا الى نهاية الطريق ما يعني أن فك الحصار شرط أساس، والا فلنمت في معركة بدل الموت جوعاً… خصوصاً أن جهات محلية سياسية واقتصادية ونقدية داخلية مفروض عليها الالتزام وتنفيذ الحصار الأميركي، بينهم من هم في مواقع غاية في الأهمية والحساسية والمسؤولية مهددون بمصادرة أموالهم بشتى الطرق المشروعة من خلال قوانين عقوبات أميركية تستخدم حالياً والنموذج الروسي ماثل أمامنا.

ولعل أبرز وسائل الحصار وأفعلها هي على الكهرباء، على سبيل المثال، وفي معلومات “لبنان الكبير” أن وزير الطاقة فاتح السفيرة الأميركية دوروثي شيا في أحد الاجتماعات بالعرض الايراني حول الطاقة، وكانت المفاجأة أن الجواب أتاه من مرافقها الذي كان يسجل ملاحظات، اذ قال له: “لا يمكنك فعل ذلك”. فعلقت شيا: “هذا الموضوع عند رىئيس الحكومة”. وحاولت ترطيب الأجواء بالقول: “على أي حال نحن لا نرى العرض الايراني جدياً”، ما يعني أن قرار فك الحصار عن لبنان لم يأت بعد وكل التطورات الاقليمية والدولية توحي وكأننا واقعياً نعيش حرباً عالمية ثالثة… أي أن الأمور ستزداد تعقيداً وانهياراتنا مستمرة تخف حيناً وتقوى حيناً آخر لكنها مستمرة.

شارك المقال