النظرة الفوقيّة من القعر!

رامي الريّس

لم يكن ينقص لبنان، الذي يصحو كل يوم على مشكلة وأزمة جديدة، أن يتلاعب بمصيره بعض أزلام حديثي النعمة في السياسة، مثلما حدث في الكلام غير الديبلوماسي وغير اللائق لوزير الخارجيّة المستقيل – المتنحي- المخلوع شربل وهبه. لقد قيل الكثير عما فعله وكتب الكثير عن الأزمة، التي استولدها كلامه اللامسؤول البعيد عن كل الأعراف الديبلوماسيّة، والذي لا يمت بصلة إلى أصول التخاطب مع الدول، فكيف إذا كانت الدول دول عربيّة وشقيقة لطالما ارتبطت بعلاقات وثيقة وعميقة مع لبنان.

في نهاية المطاف، تخلى وزير الخارجيّة عن مهامه التي كان من الأفضل ألا يتسلمها من الأساس. فمنصب وزير الخارجيّة له معاييره ومقاييسه وحساباته، والوزارة ليست مجرّد حقيبة تقنيّة أسوة بسواها من الوزارات المتخصصة أو الخدماتيّة. فوزير الخارجيّة يمثّل لبنان في المحافل العربيّة والدوليّة (التي انقطع عنها لبنان بعد إلقاء القبض على كل مفاصل دولته الهشة) وهو المسؤول عن ترتيب علاقات لبنان الخارجيّة مع العالم برمته.

لعله لم يكن ثمة حاجة للتذكير بهذه البديهيات لولا الانحدار الهائل في مستوى التمثيل السياسي والوزاري، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في العديد من الوزارات. والمقاربة هنا ليست شخصيّة، بمعنى أن التقييم لا يقتصر على الكفاءات من الناحية التقنيّة بل يتعداها إلى تقييم الخلفيّات الثقافيّة أو الفكريّة (إذا توافرت) بمن يشغل المنصب.

خلاصة القول أن ما نطق وزير الخارجيّة يتجاوز “زلة اللسان” غير المقصودة في لحظة غضب غير متوقعة، وهو ليس مجرّد انجرار في نقاش تلفزيوني إلى حيث لم يكن يرغب (مع أنه من المفترض لشخصية في موقعه أن يحافظ على رباطة جأشه مهما إحتدم النقاش) بل إنه يعكس جواً معيّناً في الدوائر التي يعمل معها ويتحرّك بتوجيهاتها.

فبالاضافة إلى النظرة الفوقيّة الاستعلائيّة التي تحدّث بها الوزير (وهو قابع في القعر بسبب سياسات الفريق الذي ينتمي إليه) إلا أنه اختار خطاباً وأساليب تعبير لا تتلاءم مطلقاً مع اللهجة الديبلوماسيّة التي يفترض بأي وزير خارجيّة أن يتمتّع بها. وهذا ما يعكس تشوّهاً في المقاربة السياسية، التي يعتنقها الوزير، من خلال طرحه لرؤى سياسيّة مغايرة للواقع ولا تعدو كونها تعكس وجهة نظر فريق ضد آخر، ومحور ضد آخر.

مهما يكن من أمر، فإن إستعادة العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة واللبنانيّة – الخليجيّة واللبنانيّة – العربيّة عموماً، هو المدخل الطبيعي والممر الحتمي والوحيد ليستعيد لبنان عافيته. لبنان يتنفس من الرئة العربيّة، وهو جزء من البيئة العربيّة وكل محاولات إخراجه من هذه البيئة الحاضنة وجرّه إلى محاور ومواقع مغايرة لن يُكتب لها النجاح.

هبّة “وهبه” بردت وستبرد مع مرور الوقت، ولكن ما الذي يمنع هبّات جديدة في الأيام والأسابيع المقبلة والتي من شأنها إغراق لبنان أكثر وأكثر ودفعه نحو الحضيض. يا له من واقع سيئ للغاية… والآتي قد يكون الأعظم!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً