نصر الله يسوح في “جنتا”… والشعب “جوعان”

آية المصري
آية المصري

لا تمت إطلالة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الأخيرة الى الواقع بصلة كالعادة، فالبلد يعيش أزمات متواصلة والشعب فقير و”جوعان” والسيد يريد بناء معلم جهادي سياحي جديد، وقد أعطى إهتماماً كبيراً للمواضيع الثانوية ومرّر المواضيع الأساسية مرور الكرام. وهذا ليس بموضوع بسيط لأن كل ما يقوله نصر الله مخطط له على أكمل وجه، ولكن يبدو أن هناك حالة من الإنحدار الشديد في الخطاب من خلال إعطاء حيز كبير لمعلم سياحي قرر “حزب الله” إنشاءه في جنتا البقاعية التي تشرف على منطقتي النبي الشيت ويحفوفا.

“جنتا” المعسكر التابع لـ “حزب الله” هو أول معسكر أسسه الحرس الثوري الايراني في لبنان لتدريب مقاتلين من الحزب، ويريد اليوم السيد نصر الله تحويله الى معلم جهادي سياحي يساهم من جهة في تعليم السياحة الجهادية، ومن جهة أخرى يساهم في السياحة الترفهية من خلال بناء المطاعم والمقاهي فيه. اما بالنسبة الى التمويل فاعتبر نصر الله أنه ميّسر ولكن بحاجة الى تعاون مع البلديات المجاورة والوزارات اللبنانية المعنية، وبهذا يتناسى سماحته الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وعاصفة الدولار الجمركي، وملف ترسيم الحدود والاستحقاق الرئاسي القريب وأزمة التشكيل وينصرف الى السياحة الجهادية من خلال بناء معلم شبيه بـ “معلم مليتا الجنوبي”.

الأزمات والانهيارات والاستحقاقات لا تعالج بهذا الأسلوب يا سماحة السيد، ولا يمكن إلهاء الشعب بمواضيع ثانوية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في المعادلة، ولا إقناع أهالي البقاع بأن الحل يكمن في “جنتا” الجهادية، لأنهم قدموا الكثير والكثير لـ “حزب الله”، قدموا أرواحهم وأبناءهم ولم يبخلوا يوماً بشيء، وفي الوقت نفسه ماذا قدم نواب “حزب الله” ووزراؤه لمنطقة بعلبك – الهرمل المحرومة؟ هل الاقتصاد مزدهر؟ ماذا عن الزراعة والصناعة؟ ماذا عن الأمن والاستقرار وتفلت السلاح غير الشرعي؟ ماذا عن الزوار الذين يخافون أن يقصدوا منطقة بعلبك بسبب طفارها ومشكلاتهم اليومية ونتيجة “التشليح” على الطرقات؟ هل ستنتهي المشكلات ويعم الأمن والسلام والبحبوحة من خلال معلم “جنتا” الجهادي؟ من سيقصده، وما الفائدة التي سيقدمها الى زواره؟

الأمين: نصر الله مسيطر على قرار الدولة

يجب العمل اليوم في القضايا الأساسية، يقول المحلل السياسي علي الأمين لموقع “لبنان الكبير”، متسائلاً “ما موقف حزب الله من الاصلاح وكيف يتم؟ كيف يحارب الفساد وكيف يحسن الوضع المعيشي والاقتصادي في البلد؟”. ويؤكد أن “حزب الله ليس بجمعية خيرية كي يتحدث في قضايا ثانوية وتفصيلية، السيد نصر الله أنت الدولة والمسيطر على معظم قرارها، والمطلوب منك سياسات عامة لا خاصة وبالتالي هذه الاستثمارات تقوم بها فئة عادية وليس حزب الله”.

ويضيف الأمين: “هل يوفر حزب الله الأرضية لمثل هذه المشاريع؟ أعتقد أنهم ينقلون النقاش الى مكان آخر عبارة عن أنهم (ما خلوهم) و(ما بدن نشتغل للبقاع). هكذا يخاطب السيد نصر الله جمهوره وبهذه الطريقة وهذا لم يعد ينفع، لأنهم لا يريدون القيام بشيء جدي وبالتالي يذهبون الى قضايا ومشاريع هامشية (ما بتطعمي خبز)، وكل هذا من أجل خلق سجال واسع في هذا الاطار”.

هذه الموضوعات للهروب باتجاه القضايا الهامشية، يعتبر الأمين، مشدداً على وجوب “القيام بنهضة زراعية واقتصادية في البقاع وليس معلماً سياحياً. هل هذه القوة الاقليمية الدولية كاملة الأوصاف تريد إنشاء معلم سياحي لأهالي البقاع؟ بالتالي كل هذا من أجل الهروب من النقاش الجدي، وعبارة عن بروباغندا اعلامية لمحاولة تصويب النقاش الى مسألة تفصيلية”.

ويرى أنه “يفترض بالسيد حسن نصر الله اليوم الإجابة عن أسئلة جوهرية، فالأزمات التي يعيشها لبنان لا تُعالج بهذا الأسلوب والمطلوب جملة أمور لها علاقة بمشروع الدولة وبمدى الاستعداد والرغبة والامكانية والنية لإنجاز الإصلاحات، والسجال حول هذا الموضوع لا فائدة منه”. ويسأل: “هل تريدون القيام باقتصاد؟ ما ركائز هذا النوع من المشاريع؟ أي رؤية وخطة لمعالجة الأزمات الاقتصادية – المعيشية؟ وبالتالي مليتا أكبر نموذج، ماذا غيّر في الواقع الاقتصادي؟ عمره أكثر من عشر سنوات ما الربح الذي قدمه للمدينة وللاقتصاد؟”، لافتاً الى أن “هناك الكثير من المواطنين يتهيبون قصد المكان ولا يجذب الكثير من الزوار. وهذا النوع من المعالم لديه سمة معينة وفي الوقت نفسه محدودة ولا تأثير نوعياً لها، والمطلوب قرارات لها تأثير جذري في إدارة البلد وإعادة ترتيب الاوضاع”.

فياض: نصر الله يعيد لبنان ألف عام للوراء

في حال كانت اسرائيل تريد إعادة لبنان 50 عاماً الى الوراء فنصر الله أعاده ألف عام، تؤكد الكاتبة والأكاديمية منى فياض، معتبرة أن “خطابه الأخير لحرف الأنظار عن مشكلات الشعب، ومن أجل الالهاء والقول انهم يعلمون كيفية القيام بسياحة دينية، وبالتالي مثلما أوجدوا الكثير من المناسبات للقيام بالاحتفالات، وجدوا طريقة للتعبير عن السياحة الدينية ليبرهنوا أنهم يعلمون كيفية التعايش مع الاحتفالات”.

“حزب الله” يريد اثبات أنه لا يتعاطى ثقافة الموت بل ثقافة الحياة والحب، تقول فياض “وهذا ما جعلهم يبنون معلم مليتا واليوم معلم جنتا الجديد، والسيد نصر الله يأمل من هذا الموضوع تغيير الوجهة من بعلبك الى جنتا وكل هذه مراهنات لا أفق لها، واللبناني لن يقتنع بأن مشكلته ستزول بواسطة معلم سياحي جهادي”.

وتضيف فياض: “اللافت أن المقاومة تغيّر وجهتها وتأخذ كل الشعارات والمبادئ التي قام عليها لبنان، السياحة، الاقتصاد، والانفتاح… بحيث لم يبق شعار للسياديين وللفئات المعارضة لحزب الله الا وأخذها السيد نصر الله ووضعها في جيبه وبات يزايد من خلالها، وأعطاها معنى مختلفاً وهذا يدل على تخبط واضح. فعندما تكون لديك جماعة تسمّي نفسها مقاومة وتريد تحرير البلد، نرى أن البلد نفسه لم يبق منه شيء كي يتحرر وصار تحت الأرض”.

يتضح من كل هذا الكلام أن “حزب الله” يريد حرف الأنظار نحو السياحة الجهادية التي لن تجلب المنفعة العامة للمنطقة وللبلاد، لا سيما أن المواطن لا تهمه السياحة في هذا الوضع الصعب الذي يعصف بالبلد.

شارك المقال