تحليل أميركي: مسيحيو إفريقيا في قبضة إيران الخانقة

حسناء بو حرفوش

سلط تقرير نشرته صحيفة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية الضوء على تنامي النفوذ الإيراني في القارة الإفريقية. وحذرت فيه الكاتبة ليلا جيلبرت، المحاضرة في “مركز الحرية الدينية” التابع لـ”معهد هدسون” الأميركي، من تأثير هذا النفوذ خصوصاً لناحية تزايد التهديد للوجود المسيحي في تلك المنطقة. وفيما يلي ترجمة للمقال.
“بينما تتجه الأنظار إلى الشرق الأوسط مع تركيز التقارير الإخبارية على النتائج المتفجرة لاستثمارات إيران في المواجهة المستمرة والمثيرة للانقسام والمؤلمة بالتأكيد، بين إسرائيل وحماس، لم تقف إيران مكتوفة الأيدي في أي مكان آخر. وبقي نفوذها المتزايد في إفريقيا، تحت المجهر بالنسبة للعديد من المراقبين. وعلى الرغم من استبعاد طموحات الجمهورية الإسلامية في إفريقيا في ظل العقوبات الاقتصادية والأميال العديدة التي تفصلها عن القارة الأفريقية، تسعى إيران بقوة لتحقيق غزوها الإسلامي بالتوازي مع داعش والقاعدة ومختلف الجماعات الإرهابية السنية. وتتضمن الحملة الإيرانية أنشطة الحرس الثوري والعديد من وكلائه، وأشهرهم حزب الله اللبناني. ولا تقتصر طموحات إيران بشكل مفاجئ على حشد الموارد والهيبة الدولية.
وعلى عكس ما قد يبدو للمراقبين الغربيين العلمانيين المتحمسين، أحد الدوافع الرئيسية لإيران هو الإيمان الشيعي بظهور الإمام الثاني عشر والحاجة للاستعداد لعودته. وقد أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عن هذا الاعتقاد بصراحة من قبل. ويرى بعض القادة الإيرانيين أنه يجب تطهير الأراضي التي سيتم احتلالها من اليهود والمسيحيين و “الكفار” الآخرين تحضيراً لهذا الحدث. وفي العام 2019، أفاد موقع “ميمري” (MEMRI) الإخباري نقلاً عن آية الله الإيراني محمد مهدي مير باقري، بواجب المشاركة في قتال واسع النطاق مع الغرب من أجل أن يظهر الإمام. ويقال إن المرشد الأعلى لإيران وأقرب مساعديه يتبنون هذا المنظور المروع. وهو منظور لا يترك مع الأسف مجالاً للمسيحيين واليهود. وتعدّ إيران اليوم من بين أسوأ مضطهدي المسيحيين في العالم. وفي العام الماضي، برهن المرشد الأعلى علي خامنئي، أهمية القارة الأفريقية من أجل تحقيق هدف إيران المهووس. ونشر في تغريدة على “تويتر” صورة لزعيم الحركة الإسلامية النيجيرية الشيخ إبراهيم الزكزكي، مشيراً إليه كداعم مهم للثورة الإيرانية.
وفي العام 2018، أصدرت إيران تعليمات لـ”حزب الله” بتدريب نيجيريين وإقامة معقل في البلاد، يشكل قاعدة عملياتية لسائر إفريقيا، بهدف إحباط الطموحات الإسرائيلية والغربية في المنطقة بشكل رئيسي، بحسب ما أفاد مصدر مقرب من قيادة حزب الله. ووفرت إيران تدريبات عسكرية لمئات النيجيريين في معسكرات في جميع أنحاء شمال نيجيريا، على غرار تدريبات حزب الله. وقتل الجهاديون النيجيريون بدعم إيراني، 1470 مسيحياً على الأقل واختطفوا أكثر من 2200 من الأبرياء في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري. وفي الصومال، التي تعتبر أحد أسوأ البلدان المضطهدة للمسيحيين في العالم، تمتلك إيران، بحسب ما نقلت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، شبكة بالوكالة تستخدم وسطاء يقدمون الدعم للمنظمات العنيفة المتطرفة في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة ودول الخليج، بما في ذلك استخدام الصومال لنقل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى دول أخرى. أما في إثيوبيا، وهي دولة مسيحية إلى حد كبير، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن وكالة المخابرات كشفت في شباط عن مخبأ للأسلحة والمتفجرات وخلية مؤلفة من 15 شخصاً كانوا يستهدفون سفارة الإمارات العربية المتحدة. وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين نسبوا العملية لإيران.
ولا توجد دولتان تقدمان مثالاً وضوحاً حول طموحات إيران في إفريقيا، أكثر من المغرب والجزائر. وبجوار المغرب، تقع الصحراء الغربية وحركتها الانفصالية التي تعرف باسم جبهة البوليساريو. واعترفت الولايات المتحدة مؤخراً بالصحراء الغربية كجزء من المغرب، بفضل توقيعها على “اتفاقيات إبراهيم” مع إسرائيل. لكن يزعم على نطاق واسع أن حزب الله اللبناني، يقوم بصفته الوكيل الإيراني، بتدريب جنود البوليساريو بشكل مباشر على القتال.
وفي العام 2018، اتهم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إيران علنا بإرسال عناصر بارزة من “حزب الله” وتزويد جبهة البوليساريو بالسلاح والتدريب، وفقًا لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وتسببت شحنات الأسلحة إلى المغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع طهران. أما فيما يتعلق بالجزائر، قال الباحث السياسي طوني دوهيوم لقناة “العربية” أن ظهور سفارة إيرانية في الجزائر أثار قلقاً كبيراً في العالم العربي، ومن ثم أتى دخول أمير موسوي إلى البلاد، تحت غطاء الدبلوماسي الإيراني المهتم بالشؤون الثقافية. وسرعان ما اتخذ دخول موسوي البلاد إيحاءات شريرة، لأنه بعيداً عن كونه دبلوماسياً يتطلع لتعزيز العلاقات الثقافية مع الجزائر، بات واضحاً أن موسوي هو في الواقع عميل للمخابرات الإيرانية، يسعى للتدخل في النزاع بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية.
وكتب أحد أصدقائي النيجيريين، الذي شهد المذبحة تلو الأخرى في وطنه، مؤخرًا أن النفوذ الإيراني في منطقة الساحل هائل وأن البلاد تحوي طوائف مسلمة مختلفة منظمة وممولة ومجهزة بشكل جيد وأن هجماتها الإرهابية مخططة بعناية وتنفذ بشكل فعّال وأنه لا يمكن القيام بذلك بدون نفوذ ودعم دولة ما. ويبدو أن توقيع إيران، وإن كان من خلال شخصيات بالوكالة، واضحاً في كل مكان. أما في ما يتعلق بغزة، روى مسؤول كبير في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أن صورة للجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني، الذي كان مؤمناً مخلصاً بظهور الإمام الثاني عشر، معلقة في هذه الأثناء داخل كل منزل في غزة وأن الإيرانيين “هم الذين يدعموننا بالسلاح والمال والطعام”. فهل ستقدم إيران أقل من ذلك للميليشيات المزدهرة في أفريقيا؟”

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً