هذه طبيعتهم!

محمد شمس الدين

يستغرب الشعب اللبناني، بعد كل هذا الدمار والانهيار، وكل المآسي والذل، أن زعماءه لا يزالون يتقاتلون على السلطة، ويرفعون المتاريس من أجل حصة هنا أو حصة هناك. ألم يشبعوا من عشرات السنين؟ ألم تعالج لديهم عقدة النقص بحب السلطة؟ ألا تكفي الأموال التي سرقوها عشرات الأجيال من ذريتهم؟ لمَ لا يعملون من أجل الشعب؟ لما لا يتركون الدفة لدم جديد؟ السفينة تغرق، وهم يتقاتلون على مركز القبطان، لا حكومة، لا رئاسة، ولا خطة للنهوض الاقتصادي، ولكن يبقى السؤال لماذا هم هكذا؟ لماذا ما زالوا على حالهم؟ لماذا لم يتغيروا؟

قد تكون الاجابة عن هذه الأسئلة في القصة الشهيرة عن الضفدع والعقرب، والتي تقول: طلب العقرب، الذي لا يستطيع السباحة، من الضفدع أن يحمله على ظهره ليعبر النهر. تردد الضفدع خائفاً من أن يلدغه العقرب، لكن الأخير جادله بأنه إذا فعل ذلك، فسوف يغرق كلاهما. اعتبر الضفدع هذه الحجة منطقية ووافق على نقل العقرب، وفي منتصف الطريق عبر النهر، لدغ العقرب الضفدع على أي حال، وقضي عليهما. سأل الضفدع المحتضر العقرب عن سبب لسعه على الرغم من معرفة النتيجة، فأجابه العقرب: هذه طبيعتي. نعم، بكل بساطة هذه طبيعتهم، هم المتعطشون للسلطة، فحتى لو استطاعوا أن يحكموا الكرة الأرضية كلها لن يرضيهم ذلك، وقد يذهبون للبحث عن كواكب جديدة ليحكموها. هم يعبدون المال، فحتى لو امتلكوا كل ثروة العالم، هذا لن يشبع الجوع النفسي الذي يسيطر عليهم. الطبع يغلب التطبع دوماً، الموضوع ليس بإرادتهم. فمن يستطيع إشباع نهم السلطة الموجود عند ميشال عون؟ لا أحد، بل انه أورث هذا النهم لصهره، ليكمل مسيرة التسلط، بأي طريقة كانت، إن كان عبر تحالفات هجينة غريبة، أو عبر الابتزاز، أو حتى عبر بيع الوطن، المهم أن يحصل على لقب “الزعيم”.

6 سنوات لم تشبعهم، لم تكفهم، ما زالوا يريدون أكثر، وهم يستعينون بكل الحيل للبقاء في سدة الحكم، يتحججون بأن غيرهم موجود في السلطة منذ زمن، ومن حقهم أن يبقوا هم أيضاً، ولكن فاتهم أن غيرهم لم يوصل البلد إلى جهنم، لم يؤجج الفتن بين أبناء الشعب، لم يتسبب بالظلام، لم يستعدي كل أصدقاء البلد، وكان يشارك في السلطة ولا يستأثر بها، ولذلك حجتهم في هذه النقطة ساقطة مثل سقوط عهدهم المدوي، الذي أسقط البلد معه في ويلات لا تنتهي.

الموضوع تخطى البدع الدستورية، التي هي أشبه بتعويذات شيطانية، ففي قصص الخيال، يبيع البشر روحهم للشيطان من أجل الحصول على أمنيتهم، وهؤلاء مستعدون لبيع كل شيء لأي شيطان خارجي أو داخلي من أجل البقاء في السلطة، فهل يعقل أن يعطل عاقل تشكيل الحكومة من أجل بدع تشبه كل شيء إلا الدستور، بأن لا يسلم رئيس الجمهورية السلطة في حال عدم وجود حكومة قائمة، أو من أجل الحصول على مكاسب حكومية لا يتحملها أحد، بل هي قد تعني عدم استحصال الحكومة على الثقة؟ أصلاً هل من عاقل يتمسك بوزارة الظلام، وتحديداً هو الذي عاث فيها فساداً وفوضى دمرت القطاع؟ بالتأكيد هذا شخص غير عاقل، ويعاني من مرض نفسي، يحتاج إلى علاج ضروري.

65 يوماً يعدها اللبنانيون بالثواني، ويتلهفون الى الساعة 12 من منتصف ليل 31 تشرين الأول، لأنهم متيقنون أن الحل في البلد مستحيل مع هكذا عقلية، تدميرية بطبعها. ميشال عون حقق حلمه بالوصول إلى سدة الرئاسة وقضى على أحلام اللبنانيين، والأمر ليس مؤامرة، بل هي طبيعته، ولا يستطيع منع نفسه، والآن هذه الطبيعة ورثها صهره، الذي إن استلم من بعده، فسيكون الحال أسوأ بآلاف المرات، وعندها لن نبكي على أطلال وطن، لأننا على الأرجح لن نكون أحياء.

شارك المقال