حوادث السير قدر اللبناني… وتقصير “الأشغال” فاضح ومزمن

آية المصري
آية المصري

هل بات قدر المواطن الموت في حوادث السير؟ سؤال أصبح يتردد على ألسنة جميع اللبنانيين خصوصاً بعد أسبوع مليء بالأخبار المحزنة والمتعلقة بهذه الحوادث، كان آخرها فجر السبت الماضي حين أدى حادث سير مروع على طريق المصنع الى مقتل الفنان جورج الراسي والشابة زينة المرعبي أثناء عودتهما من إحياء حفله الغنائي في سوريا.

شهرة الراسي أضاءت أكثر على هذه الحادثة ولفتت الأنظار الى غياب الدولة واهمالها وخصوصاً وزارة الأشغال العامة والنقل في هذا الشق، فالتقصير كبير والطرقات غير مجهزة للقيادة عليها بأمان، من الحفر المزروعة فيها الى التعرجات، الى غياب الإنارة، فكيف سيتمكن السائق من القيادة والعودة الى منزله سالماً؟ ولا تضيء هذه الطرقات سوى عندما يقرر زعيم معين أن يسلكها، فهل حياته أغلى من أرواح اللبنانيين؟ واذا قصدنا لبنان من شماله الى جنوبه وبقاعه سنرى الاهمال الفاضح والتقصير لدى وزارة الأشغال لأن أولويتها ومصالحها لا تنسجم مع أولويات الشعب.

عائلات عدّة تفجع يومياً بموت أحد أفرادها بسبب المسؤولين “غير المسؤولين”، فمن سيعوض الأمهات والآباء عن أولادهم؟ من سيرجع فقيدهم الغالي؟ ومن سينظر اليهم ويترحم على أبنائهم؟ أسئلة عدّة تطرح في هذا السياق وكل يغني على ليلاه، فمن يتحمل مسؤولية ما يحدث؟ وهل نسبة حوادث السير زادت أم انخفضت هذا العام مقارنةً بالعام الماضي؟

لا تقيد بالمعايير العالمية للسلامة المرورية

“خلال فصل الصيف ولا سيما في شهر آب تكثر حوادث السير، وهذا ليس بجديد، فتقصير الدولة في هذا المجال كبير جداً وكل هذا يجب أن يدفع المواطن الى توخي الحذر بصورة أكبر واليقظة أكثر، والتحلي بالمسؤولية الكبيرة خلال القيادة. فالطرقات خطرة جداً وهناك إهمال كبير ولهذا السبب يجب تخفيف السرعة لأننا لا نعرف ما سيواجهنا من عوائق مفاجئة” بحسب ما أكدت مصادر أمنية لموقع “لبنان الكبير”، معتبرة أن “التقصير الفاضح في وزارة الأشغال العامة والنقل مزمن، والمتعهدون لا يتقيدون بالمعايير العالمية للسلامة المرورية”.

وأوضحت هذه المصادر أن “المتعهد الذي يقدم لوزارة الأشغال العامة مشروع الصيانة أو مشروع إقامة الطريق أو إصلاحه في حال كان مناسباً يكون تنفيذه خاطئاً. كما هناك إتفاق مع مؤسسة مستقلة مشرفة على التنفيذ ويجب أن تتحلى بالاستقلالية والشفافية اللازمة كي تبلغ في حال كان التنفيذ خاطئاً. كما يجب تسليم الطرقات بعد التأكد من أنها مطابقة للمواصفات وكل هذا لا يحدث”.

وأشارت الى أن “هناك انخفاضاً في حوادث السير في لبنان عموماً، وأسبابه شبه معروفة فبعد الهجرة والبطالة وغلاء البنزين… كل هذه الأزمات دفعت بالمواطن الى التخلي عن القيادة لمسافات طويلة، وهذا ما أدى الى انخفاض الحوادث مقارنةً مع العام 2021، بحيث بلغ عدد الحوادث حينها 1448 وعدد القتلى 201 اما في العام 2022 فبلغ عدد الحوادث 886 وعدد القتلى 142، وبالتالى نرى انخفاضاً في حوادث السير بنسبة 38،81 % ، اما عدد القتلى فانخفض 29،35%”.

المواطن يدفع ثمن غياب الدولة

“لا يجب أن يتفاجأ الناس بأسباب الموت على الطرقات، لأنه عندما تكون الدولة غائبة كلياً وكل الاجراءات المرتبطة بحماية الناس من حوادث السير غير موجودة، حكماً سيموت الفرد على الطرقات وكل هذا سببه تقاعس الادارات الرسمية عن القيام بواجباتها ومن يدفع الثمن هو المواطن، وهذا ما حذرنا منه منذ بداية الأزمة في لبنان”، بحسب ما قال مدير الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية كامل إبراهيم.

أضاف إبراهيم: “هناك إهمال بصورة كبيرة مرتبط بالسلامة المرورية، وهناك 16 قتيلاً ماتوا في اليومين الفائتين ومثلهم مات قبل شهر وسيموت بعد أسبوع، والسؤال كيف يموت كل هؤلاء الناس؟ والمشكلة الأساسية أن هناك خللاً في إدارة هذا الملف على مستوى الدولة اللبنانية، والخلل هنا وليس في الطريق فقط، واذا لم تعالج هذه المشكلة حكماً سيبقى الوضع كما هو على المستويات كافة، خصوصاً وأن الجهات المعنية لا تزال تقارب الموضوع بطريقة تقليدية ولا أحد يتطرق الى جوهر المشكلة كي يصل الى الحل المناسب”.

واعتبر خبير في حوادث السير رفض الكشف عن إسمه أن “السرعة أثناء القيادة وإهمال الدولة وتحديداً وزارة الأشغال العامة سببان لكثرة حوادث السير، فالطرقات يتخللها الكثير من الشوائب والحفر اضافة الى عدم وجود إنارة على الطرقات، ومن يريد القيادة سيتعذر عليه معرفة ما سيعترض طريقه فجأةً”، داعياً المواطن الى “القيادة بسرعة منخفضة والالتزام بالاجراءات الوقائية كافة التي تجنّبه الوقوع في حادث سير مروع يخسر فيه حياته”.

يتضح من كل هذا أن مسؤولية الاهمال تتحملها الدولة بالدرجة الأولى ووزارة الأشغال العامة ثانياً، فلا يكفي الذل الذي يعيشه المواطن يومياً على أبواب المستشفيات ومحطات الوقود والأفران حتى بات يخاف الموت في حادث سير يفجع ذويه.

شارك المقال