هستيريا ولي العهد… على مشارف نهاية العهد

محمد شمس الدين

على قدر الصراخ تعرف الألم، هكذا علقت أوساط مرجعية سياسية على خطاب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وهو صراخ بداية النهاية… أقل من شهرين وينتهي عهد جهنم، وشيطانه وولي عهده لا يتقبل الفكرة. علو صوته أمس يشبه الى حد كبير، صراخ طفل ضاعت منه لعبته، وهي مهزلة الزمن أن يحاضر أطفال السياسة في الدستور وهم لا يفقهون منه سطراً، يستعينون بمشعوذ دستوري، يخترع بدعاً لا يقبلها لا عقل ولا منطق، يقتبس كلام الأنبياء علّه يثير غريزة بعض ضعاف النفوس، وبكل وقاحة يحاول إشعال الفتن بين الحلفاء عبر لعبة لا إله…، وكأن الجميع لا يعرف الحقيقة، وكأن من يحاول أن يستفزهم أغبياء، هم يعلمون كل شيء، ولكنهم يحتاجونه من أجل أجنداتهم السياسية، والأنكى من كل ذلك يسمّي خصومه بزعماء الميليشيا، كأنه إذا كان هناك عسكري يتصرف كزعيم ميليشيا، لا يصيبه اللقب احتراماً للبزة! 55 يوماً ويسمع اللبنانيون صراخاً عالياً جداً، ولكنه صراخ الفاشل الذي لم يستطع أن ينجز شيئاً، صراخ المهزوم الذي حانت نهايته.

دعا باسيل في خطابه إلى اعتبار 1 أيلول مناسبة وطنية بأهمية يوم الاستقلال، ربما يكون فعلاً إعلان “لبنان الكبير” مهماً، ولكنه إعلان تحت الانتداب، ولا يمكن مساواته بالاستقلال، لكن يبدو أن العقلية البرتقالية تفضل الاحتفال بالاحتلالات والهزائم، لا الانتصارات الحقيقية، وقد نشهد احتفالات المنتصر لـ “التيار الوطني الحر” عند نهاية عهد الرئيس عون، احتفال الانتصار على الشعب اللبناني، وليس من أجله.

عاد باسيل في خطابه الى الاسطوانة نفسها، يدّعي أنه لا يريد نقض الطائف، ولكن يطالب بانتخاب رئيس جمهورية من الشعب، كأن هذين الأمرين متشابهان. لا يعجبه الدستور كما فسره كبار الدستوريين، هو يريد دستوراً على ذوقه، يسمح له بالإمساك بمفاصل البلد، وسحقاً للديموقراطية، وإن كان من دليل على ذلك فهو العودة إلى تمرد عمه، بحيث كرر باسيل خطاب ميشال عون عندما احتل قصر بعبدا بعد اتفاق الطائف وتشكيل الحكومة وقتها، وقال: “نحن لن نعترف بشرعية الحكومة المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وسنعتبر الحكومة عندها مغتصبة سلطة وفاقدة للشرعية وساقطة مجلسياً ودستورياً وميثاقياً وشعبياً، ولو اجتمع معها من اجتمع، ولو اجتمع العالم كله على دعمها ضدنا”. وحذر باسيل بالقول: “ما تجرونا إلى ما لا نريد”.

الخطاب هذا نفسه قاله ميشال عون عندما كان رئيس الحكومة العسكرية، ولم يخرج من القصر قبل أن يدمر البلد يومها، فهل يبشر باسيل اللبنانيين، بأن هذا ما سيحصل عند نهاية العهد؟ هل يلمح إلى بقاء عون في بعبدا بعد نهاية ولايته تحت حجة عدم شرعية الحكومة؟ إن كان هذا الهدف من خطابه، فلا يمكننا إلا العودة إلى كلمة الرئيس سعد الحريري عندما اعتكف السياسة “حمى الله لبنان”.

اعترف باسيل في خطابه بكل صراحة، بأنه يعطل الحكومة، لأنه برأيه كل وزير يصبح رئيس جمهورية عند نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وبهذا تسقط كل بروباغندا العهد أن ميقاتي لا يريد تشكيل الحكومة، التعطيل هو من قصر بعبدا بكل وضوح.

أما أكثر ما يثير السخرية فهو انتقاد باسيل معايير الرئاسة التي وضعها رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه الأخير، معتبراً أن ليس من حقه المطالبة بأن يكون الرئيس وطنياً، لأنه عند انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب، لم يصوّت له المسيحيون، الذين يحصرهم باسيل بـ “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” فقط، ولكنه يتناسى أنه هو و”خيو” في اتفاق معراب، تقصدا محاربة الأقوياء في طوائفهم، إن كان الرئيس سعد الحريري، أو حتى المرشح الشيعي الوحيد لرئاسة المجلس، الرئيس نبيه بري، بصورة هي الأسوأ عن النموذج اللبناني الذي يدّعي المحاضرة به باسيل.

وفي محاولة مضحكة لشق الخلاف بين الثنائي الشيعي، توجه باسيل إلى الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، يشتكي الرئيس بري، معتبراً أنه يخالفه، لدى اعتباره أن مشكلة الكهرباء هي الهيئة الناظمة، وليس الحصار المفروض على لبنان، بغض النظر عما إذا كان هناك حصار مفروض على لبنان، أو لا، ولكن الرئيس بري في خطابه قال: “إذا كانت الحجة هي الهيئة الناظمة، فلمَ لا يتم تأليفها؟”. يبدو أن باسيل لم يسمع خطاب بري، بل اعتمد على تغريدات أحد صحافيي البلاط التابعين له، الذي كتب منشورات بهذه الفكرة نفسها، وهذا فعلياً يدل على مسيرة العهد في الـ 6 سنوات الطوال، هم لم يحكموا، بل اعتمدوا على جيش من شعراء البلاط في كل المجالات، سياسية، دستورية، قانونية، اقتصادية وجميع القطاعات، ولهذا السبب دمر البلد.

وعلقت أوساط سياسية على اتهام باسيل لخصومه بأنهم مصابون بأمراض وعقد، بالقول: “هل هناك عقدة أسوأ من عقدة جهنم؟ يجب التذكير بأنه عندما وصل التيار الوطني الحر إلى الحكومة لأول مرة، كانت هناك فكرة سائدة، تقول انه بما أن التيار غاب عن السلطة 15 عاماً، فهو يريد تعويض حصته التي لم يحصل عليها خلال فترة الغياب هذه، ولكن يبدو أنه لم يشبع بعد 17 سنة من الوجود في السلطة، منها 6 سنوات، قوطب فيها على كامل مقدرات البلد”.

شارك المقال