تمرد ميشال عون عود على بدء؟

جورج حايك
جورج حايك

في كانون الأول 1989 تسلم فاروق الشرع رسالة من جورج بوش الأب إلى حافظ الأسد، جاء فيها: “لقد أصبح واضحاً للجميع أن الجنرال ميشال عون هو العقبة الرئيسة في طريق تعزيز السلطة الشرعية الجديدة، واستعادة وحدة لبنان وتنفيذ اتفاق الطائف”.

وفي صباح 13 تشرين الأول 1990، قامت القوات السورية، بالاشتراك مع الجيش اللبناني، بشن هجوم واسع على منطقة سيطرة عون، مهدت له بقصف مدفعي وجوي. وفي التاسعة والنصف صباحاً، أعلن عون تسليمه للشرعية، وفي الثانية عشرة كانت المنطقة كلها تحت السيطرة. وهكذا انتهى تمرد عون!

لكن هذه المرة وبعد مرور 32 سنة، عون ليس وحده إنما يواكبه في تمرده صهره جبران باسيل وهو يسعى إلى تعطيل كل الحلول والتسويات التي يقترحها رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، للإستمرار في حكومة تصريف الأعمال، التي يعارضها علناً ويقول انها غير صالحة لتسلم الحكم في البلد، لأن ذلك سيشكل له الذريعة الأمثل في تحضير الأرضية الدستورية لما يمكن أن يقدم عليه من خطوات انقلابية في نهاية العهد، والتي قد تبلغ حدّ فرض بقاء عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته بحجة عدم تسليم صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومة مستقيلة.

والمفارقة أن الهدف من وراء تمرّد عون في التسعينيات كان رفضه تسليم قصر بعبدا وتحصيل الحقوق وتحصين صلاحيات رئاسة الجمهورية!

منذ شهر، تصاعدت مواقف عون وباسيل في اتجاه رفضهما بقاء حكومة تصريف الأعمال في حال الوصول إلى الشغور الرئاسي، وتقصّدا تسريب الخيارات التي سيلجآن اليها وفي مقدمها خيار بقاء عون في القصر الجمهوري في حال لم يتمكّن ميقاتي من تأليف حكومته قبل ذلك، وهما يجددان في كل مناسبة عدم قبولهما بوراثة حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، متلاعبين بالحقائق والوقائع، معتبرين أن هذا مطلب مسيحي رافض لقضم صلاحيات الموقع المسيحي الأول، ومن ضمنها بكركي.

وذروة الخبث السياسي هي مواقف متناقضة عبر ترويج أوساط عون بأنه لن يبقى دقيقة واحدة في القصر بعد 31 تشرين الأول، ثم تسريب سيناريو معدّ له في حال عدم انتخاب رئيس وعدم تشكيل حكومة أصيلة يقضي أولاً بإسقاط التكليف الذي حصل عليه ميقاتي ودعوة المجلس النيابي إلى استشارات جديدة يتمّ بموجبها اختيار رئيس آخر للحكومة يمكنه تأليفها سريعاً، والثاني أن يحذو عون حذو الرئيس أمين الجميل الذي شكّل في الدقائق الأخيرة من عهده في 22 أيلول عام 1988 حكومة عسكرية سلّمها صلاحيات الرئاسة في ظلّ وجود حكومة مستقيلة كان يرأسها الرئيس سليم الحص بالوكالة، من دون أن يعني ذلك أن عون ملزم بأن تكون حكومة كهذه عسكرية.

في الحقيقة أنّه في كلّ مرة حكم فيها الفريق العوني يدخل البلد في فوضى دستورية، إذ لا يلتزم بدستور ونصوص دستورية، إنما يفصِّل الدستور على مقاس مصالحه السلطوية. من هنا نحيل عون وباسيل إلى مرجعية الدكتور أنطوان مسرّة الذي كان عضواً في المجلس الدستوري بين عامي 2009 – 2019، وهو يؤكد أنّ حكومة تصريف الأعمال حائزة ثقة المجلس النيابي، سواء أكان جديداً أو قديماً، وتُعتبر شرعية أكثر من أيّ حكومة أخرى يتمّ تأليفها بحجّة سدّ أيّ فراغ، وبالتالي تستطيع أن تتولّى صلاحيّات رئاسة الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس. ويعتبر مسرّة أنه لا يوجد في أيّ نظام دستوري في العالم أيّ فراغ. كلّ الدساتير من دون استثناء تضمّ بنوداً وإجراءات ومبادئ لسدّ الفراغ. عبارة “فراغ” غير موجودة ويجب عدم استخدامها في الخطاب المتداوَل لأنّ استعمالها يعني الجهل أو التجهيل المتعمّد.

ولا يختلف اثنان على أنّ عون وباسيل يستخدمان حقوق المسيحيين وصلاحياتهما تحقيقاً لمآربهما السلطوية وعلى حساب المسيحيين وجميع اللبنانيين الذين يدفعون ثمن جشعهما السلطوي. انّ كل الكلام الذي يزج فيه المسيحيون وبكركي للدفاع عن التمرّد العوني، هو كلام كاذب ومنافق، لأنه إذا حصل من قضم لصلاحيات الموقع المسيحي الأول فهو بسبب الفوضى الدستورية التي تسبّب بها إبان تكليفه رئاسة الحكومة الانتقالية، فيما معظم المسيحيين يعتبر أنّ المتسبِّب بقضم الصلاحيات هو عون نفسه الذي تخلى عن القرار الاستراتيجي للدولة لحليفه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وأما نقل الكلام عن لسان بكركي فهو قمة الكذب والتضليل، خصوصاً أن البطريرك بشارة الراعي كان شديد الوضوح في كل عظاته وتحديداً في إحدى عظاته التي قال فيها: “من المعيب حقاً أن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان أمسى عادة منذ سنة 1988″، وذلك في إشارة واضحة إلى الفراغ الرئاسي الذي فرضه تمرُّد العماد ميشال عون في قصر بعبدا حينها!.

والمؤسف أن ما يفعله الثنائي عون – باسيل في نهاية العهد يصنّف في خانة “المجازر الدستورية” إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال للرئيس عون إسقاط التكليف الذي حصل عليه الرئيس ميقاتي، ولا يحقّ لعون لا من قريب ولا من بعيد تأليف حكومة انتقالية، ولا شيء في الدستور يقول بعدم جواز استلام حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية. فالخيار الوحيد والأوحد أمام عون هو الخروج من القصر الجمهوري قبل منتصف ليل 31 تشرين الأول.

يعرف عون وباسيل أن ما يروّجان له خطير جداً ومخالف للدستور وربما غير جدي، لأن الهدف الأساس هو تحسين وضعية باسيل بعد رحيل عون، اما من خلال الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، أو الضغط لتأليف حكومة يدخل إليها باسيل مع ثلث معطِّل وزاري، وذلك من أجل أن تكون تعويضاً عن رئاسة مستبعدة، أو منصة متقدمة لمعركته الرئاسية.

أمام هذا الواقع، سيكون موقف “حزب الله” حاسماً لجهة عدم قبوله بالفوضى الدستورية التي يروّج لها عون وباسيل، وهما يوجهان الرسالة تلو الأخرى لـ”الحزب” مفادها: إما أن تضغط على حليفك الرئيس نبيه بري وعلى الرئيس ميقاتي، الذي كلفته من دون شروط، من أجل تسهيل تأليف حكومة، وإما أن تتحمّل مسؤولية الفوضى الدستورية جراء الموقف الذي سنتّخذه في حال استمرار حكومة تصريف الأعمال.

ويُدرك باسيل أنّ “الحزب” يخشى من الفوضى الدستورية التي يعتبر أنها قد تشكّل ممرّاً لتدخّل دولي يُفضي إلى تسوية تُفقده ورقة إمساكه بمفاصل الدولة اللبنانية، وبالتالي يضعه أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن يتدخّل لمصلحته لتأليف حكومة، وإمّا أن يتحمّل انعكاسات نأيه بنفسه وتركه مفاتيح اللعبة بيد بري.

ويتطلع باسيل إلى استنساخ المسار نفسه الذي سلكه عون مع حكومة الرئيس تمام سلام التي تحوّل فيها كل وزير إلى رئيس جمهورية، وهذا بالتحديد ما يريده باسيل، وقد استمرت حكومة سلام إلى أن انتخب عون رئيساً للجمهورية، وهو سيسلك المسار نفسه الذي لا بدّ من أن يؤدي يوماً ما، باعتقاده، إلى النتيجة نفسها.

وربما ما يفعله باسيل و”حزب الله” يدخل في لعبة توزيع الأدوار للتفريغ المتعمّد، وكلّ الممارسات منذ 2014 على الأقلّ تظهر أنّ هناك خطة داخلية وإقليمية في التعطيل والتفريغ وخرق المبادئ الدستورية. والأمثلة عديدة في هذا التفريغ المتعمّد.

وفي ظل هذه المعمعة، لا وجود سوى لحقيقة واحدة أن معظم اللبنانيين ينتظرون ويعدّون الأيام والساعات لانتهاء عهد حولّ حياتهم إلى جحيم!

شارك المقال