هل تسلك طريق معراب – الضاحية؟

عاصم عبد الرحمن

على الرغم من أن تلة معراب الكسروانية حيث يقيم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تبعد عن الضاحية الجنوبية البيروتية حيث يقيم الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله حوالي 33 كيلومتراً جغرافياً، إلا أن الحزبين يبتعدان آلاف الكيلومترات على صعيد الشؤون اللبنانية ككل. فهل يقرِّب استحقاق رئاسة الجمهورية ما فرّقته الاستحقاقات الوطنية كافة؟

بين تحية “سلم لي على السيد” التي أرسلتها النائبة القواتية ستريدا جعجع ومعادلة “الحزبان القويان” التي رسمها النائب القواتي ملحم رياشي، محطات كثيرة كُتبت في سجلات “حزب الله” و”القوات اللبنانية” من لقاءات كوادر طلابية من الحزبين، واجتماعات الوزيرة القواتية السابقة مي شدياق مع نواب “حزب الله” في المجلس النيابي، إلى خدمات مررها الحزب لـ “القوات” أُرسلت التحيات القواتية إلى سيد “حزب الله” حسن نصر الله على أثرها.

مصالح كثيرة تناغمت بين الفريقين كان أهمها ترشيح “القوات” العماد ميشال عون حتى انتخابه رئيساً للجمهورية، فكان انتصاراً استراتيجياً حققه “حزب الله” من حيث لم يتوقع ربما. وتتابعت سلسلة المصالح المتناغمة بين الفريقين في القانون الانتخابي المعتدي على مفهوم النسبية الديموقراطية، حاربت “القوات” من أجل إقراره لتحقيق كتلة نيابية من 15 نائباً عام 2018 فأعطى “حزب الله” أكثرية 71 نائباً تفاخر بها قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني.

لم يعد مهماً سرد المحطات المصلحية بين “القوات” والحزب من حيث يدريان أو ربما لا يدريان، ولكن لا شك أن الفريقين كانا يدريان أنهما يخوضان حرباً إلغائية ضد الحريرية السياسية، فالأول استعد لوراثة سعد الحريري بعد أن حاربه سياسياً، أما الآخر فهناك عناصر مقدسة من صفوفه مدانة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

مواجهاتٌ كثيرة سجلتها اليوميات اللبنانية، تغريدات نارية من هنا، بيانات مشتعلة من هناك وجيوش إلكترونية ثائرة في عالم افتراضي اقتصرت المواجهة فيه على جبهات مفترضة بقيت في إطار الشجب والاستنكار والمطالبة.

أحداث وحيدة خُطت بدماء الفريقين، بحيث كانت الطيونة على موعد مع معركة حقيقية بين “القوات اللبنانية” و”حزب الله” اختلط فيها حابل السياسة بنابل السلاح غير الشرعي سقط على أثرها ضحايا من خارج ميدان المعركة، وكان اللافت فيها أنها أتت قبل الانتخابات النيابية الفائتة.

أما اليوم وعلى وقع اشتعال جبهة معركة رئاسة الجمهورية التي تفترض هدوءاً شبه تام على الصعيد المواجهاتي من أجل استجماع الأفكار ومصارحة النفس الأمَّارة بشهوة السلطة، تغيّرت لغة الخطابات، طويت معظم الملفات وهدأت الجيوش الالكترونية، وحده وزير الاعلام السابق ملحم رياشي خرج مدعياً التغريد خارج السرب القواتي، معلناً وبمعزل عن موقف تكتل “الجمهورية القوية” ترشيح رئيسه سمير جعجع لرئاسة الجمهورية على اعتبار أنه الوحيد القادر على انقاذ لبنان من الدرك الذي يقبع فيه. وكان رياشي قد عقد في سبيل ذلك لقاءات عدة مع نواب من قوى التغيير وهو ما ليس مستغرباً على اعتبار أن الفريقين يجهدان لمنع مرشح “حزب الله” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أو ربما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من الوصول إلى قصر بعبدا.

إلا أن مفاجأة ملحم رياشي في مقاربته للمعركة الرئاسية كانت في ابتكاره معادلة مبارزة الأقوياء أي حزب “القوات اللبنانية” و”حزب الله” مفترضاً أن الحزب الأقوى في لبنان بحاجة إلى الحزب الأقوى للمواجهة السياسية والنقاش الوطني ومقاربة الأزمات المستفحلة، مستدرجاً بذلك عروضاً سياسية بنكهة رئاسية بين الحزبين، من شأنها أن تقصر المسافات بين تلة معراب ومربع الضاحية، بمعنى آخر هو يعيد عزف مقطوعة معادلة وجود أقوياء الطوائف على رأس السلطة ولكن بنوتات موسيقية مختلفة أراد من خلالها الترويج لحتمية معادلة مواجهة القوي بالقوي، وإلا لن نتمكن من الوصول إلى قارعة الحلول الشاملة والمبتغاة للأزمة اللبنانية ذات الأوجه المتعددة.

بين مفهوم الرئيس القوي والأحزاب القوية غاية وحيدة تلوح في أفق التسميات المتعددة هي التربع على عرش السلطة، وهي الغاية الوحيدة التي من أجلها تُطوى الملفات الخلافية وتتغير عناوين المواجهة وتتبدل مفاهيم السيادة لا بل تُفتح الهواتف المقفلة، فهل تعبد اتصالات معراب – الضاحية طريق بعبدا أم أن دماء الطيونة ستزيدها وعورة وثقوباً؟

شارك المقال