المقاومة والتحرير بعد 21 عاماً

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تخرج العديد من التصريحات الاستعراضية “كوبي بست” في ذكرى المقاومة والتحرير تمر مرور الكرام بما فيها خطابات النصر، “المقاومة والتحرير” تعبير اتفق على تسميته، بعد جدال هل يكون “عيد التحرير” فقط، أم تضاف كلمة المقاومة، ومع دمج الكلمتين أصبح يوم 25 أيار يوماً وطنياً وعيداً رسمياً، احتفاء بانسحاب إسرائيل من لبنان، لم يكن فرح اللبنانيين في الأيام العشرة الأخيرة من أيار من العام 2000 على تنوعهم مفاجئاً وهم يشاهدون رحيل القوات الإسرائيلية وإزالة الاسلاك الشائكة على شريط حدودوي بدءاً من بلدة يحمر الشقيف وصولاً إلى الخيام ومرجعيون وإبل السقي وغيرها من قبل الشباب والأهالي، فالصورة حكت قصة التخلص من عدو احتل أرضهم وهجر واعتقل ودمر وقتل، ورأى المقاومون نصراً بنوه لبنة لبنة وهو يجوبون أرض الجنوب والبقاع، في عمليات عسكرية نجحت في إرباك جيش عظيم وتسببت في هزيمته، لم تكن المقاومة سابقاً تنعت بــ”الإسلامية” أو هي حكر على حزب الله، المقاومة كانت في بداياتها تضم شيوعيين وناصريين وقوميين ومنتمين إلى بعض التنظيمات الفلسطينية، قبل أن يوضع قرارها في خدمة النظام السوري والإيراني لاحقاً وتتحول إلى وكيلهما “حزب الله”، في إطار مخطط توضح لاحقاً لإبقاء الهيمنة على لبنان ومسك قراره.

ترافقت المقاومة العسكرية طوال سنوات الاحتلال الإسرائيلي مع مقاومة مدنية شجاعة، عبرت عن رفض شعبي لوجود المحتل، لكن تاريخ هؤلاء اليوم طي النسيان وعدم اعتراف بتضحيات قدمها الكثيرون من أجل تحرير الأرض ولم يكونوا ينتمون إلى طائفة واحدة أو مذهب واحد، بعضهم اغتيل برصاص “الظلاميين”، أي “المجهولين المعلومين” الذين واصلوا اسلوبهم في التخلص من أخصامهم السياسيين والعقائديين منذ منتصف الثمانينات.

لم يكن الرئيس السوري حافظ الأسد الذي فارق الحياة بعد حوالي الأسبوعين من تحرر لبنان سعيداً بالمناسبة، مشككاً بالنوايا الإسرائيلية ولولا الخجل لطالب ببقاء إسرائيل في لبنان، ويومها كان موقف رئيس الحكومة اللبنانية سليم الحص واضحاً في رد غير مباشر على “التخوف السوري”، غامزاً: “إنها المرة الأولى التي يخلي فيها العدو الإسرائيلي أرضاً عربية بالقوة وهذا يعود الفضل فيه للمقاومة الباسلة ولصمود الشعب الأبي المناضل”.

الرئيس إميل لحود خلال مفاوضاته مع المبعوث الأممي تيري رود لارسن، أراد ربط الانسحاب الإسرائيلي بتسوية أوضاع الفلسطينيين في الجنوب، وبدا وكأنه يضع شروطاً تعجيزية، قبل أن يتراجع عن موقفه لاحقاً.

وفي ذلك الوقت، أثيرت مسألة لبنانية مزارع شبعا، فالخرائط التي اعتمدها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في شأن هذا المزارع اعتبرتها خاضعة لمناطق تشمل الإشراف عليها قوات الأمم المتحدة المسؤولة عن وقف إطلاق النار في منطقة الجولان فيما اعتبرت الحكومة، أنها لبنانية، وأعلن وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع ذلك، فطالب لبنان بانسحاب إسرائيل منها، إلا أن ذلك لم يتم بسبب عدم حسم القضية ولأن سوريا تمتلك مستندات كان عليها تقديمها إلى الأمم المتحدة لتأكيد لبنانية المزارع فلم تفعل، وبالتالي تم الإبقاء على سلاح “حزب الله” بحجة أن مهمة التحرير لم تنجز بعد. ولاحقاً حلت إسرائيل جيش لبنان الجنوبي، منهم من ذهب إلى إسرائيل ومنهم من سلم نفسه للسلطة اللبنانية.

وفى إيهود باراك بوعده لأمهات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في لبنان بالانسحاب من لبنان في حال فوزه بالانتخابات الإسرائيلية، ولم يخف المسؤولون السوريون تخوفهم من ذلك، لأن الخطوة اللاحقة ستكون الطلب منهم الانسحاب من لبنان وتطبيق اتفاق الطائف والعمل على استعادة لبنان سيادته واستقلاله.

لاحقاً لم يتوقف الجدل في الساحة السياسية، فبعد أن تجول اللبنانيون في معتقل الخيام وزاروا القرى الحدودية من العديسة إلى عيترون ودير ميماس وغيرها وغنوا ورقصوا ودبكوا وسط هيصات التهليل والتبريك وتألموا وهم يشاهدون زنزانات معتقل الخيام قبل أن تتم السيطرة عليه من قوى الأمر الواقع، ليبقى النصر أسير تنظيم هنا أو هناك، ووقفوا على الحدود اللبنانية ـــ الفلسطينية قبل بناء البوابات والجدار العازل الذي ركب إثر حرب 2006. والسؤال الكبير كان ما هو مصير “حزب الله” هل سيسلم سلاحه إلى الدولة ويبسط الجيش اللبناني سلطته على المناطق المحررة بأكملها، والجواب كان جاهزا فلهذا السلاح وظيفة إقليمية ولديه مشروع يدافع عنه وهو مشروع “الممانعة” برعاية سورية وايرانية، اتضحت صورة الشعارات شعب واحد في بلدين ووحدة المصير والمسار. إلا أن اللبنانيين لم يكونوا كما يقول المثل “يا غافل لك الله”، بدأ التحرك ببيان من بكركي دعا فيه إلى انسحاب القوات السورية من لبنان.

وكان الرد مزيداً من محاولة ربط لبنان بسوريا عبر شعارات إبقاء المقاومة المسلحة طالما لم تحرر مزارع شبعا وتعطيل كل محاولات ترسيم الحدود مع سوريا لتبيان الخيط الأسود من الأبيض. وكل ذلك لم يكن يصب إلا في إضعاف الدولة وإبقاء باب الصراعات مفتوحاً حتى وصلت الأمور إلى أن كبرت دوبلة “حزب الله” وصار قرار الحرب والسلم يتخذ في الضاحية الجنوبية وأصبح لبنان امتداداً للجمهورية الإسلامية الإيرانية على شواطئ البحر المتوسط.

حتى اليوم ما تزال قضية شبعا والمزارع مثار جدل، وقد يخاطر لبنان ويوقع رئيس الجمهورية على تنازل خلال مفاوضات الترسيم للحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، المهم أن لا يتم إغضاب نظام الجار وإزعاجه في المطالبة بوثائق لبنانية المزارع مع أن بشار الأسد كان أبلغ الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان فريدريك هوف، في العام 2011 أن مزارع شبعا هي سورية، فكيف يرضى الرئيس بكل هذه التنازلات، تارة لصالح إسرائيل وتارة لصالح السوريين وأين أصبح شعار فرض السيادة على الأراضي اللبنانية ومن يسعى لتطبيقه في ظل سلاح “حزب الله” الذي لم يعد سلاح مقاومة وإنما سلاح ميليشيا مسلحة غب الطلب الإيراني تتدخل هنا أو هناك بحسب رياح الولي الفقيه دون حسيب أو رقيب.

في عيد المقاومة والتحرير كل الامنيات للبنانيين بترسيم الحدود ونشر الجيش اللبناني على كل أراضيه ونجاح عون وإن في نهايات عهده بتطبيق استراتيجية دفاعية تعهد بإنجازها في عهده الأسود، فناموا على حرير المقاومة واحلموا بالتحرر الحقيقي من عفن النظام وحكم الدويلة وفساد طواقم السلطة.

 

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً