“كلن يعني كلن”… ضد المودعين

محمد شمس الدين

فتحت الناشطة سالي حافظ الباب على سيل من عمليات اقتحامات المصارف، نفذها عدد من المواطنين في مناطق مختلفة من لبنان مطالبين بودائعهم، متمثلين بسالي، الأمر الذي ينذر بمرحلة خطيرة سيعيشها لبنان مستقبلاً. هو حقهم وهم يريدونه بأي طريقة، في ظل دولة فاشلة أضاعت حقوقهم من أجل مصالح البوتقة الحاكمة، وانقسم الرأي العام اللبناني بين مؤيد وحذر، وطبعاً لا يخلو أي حدث في لبنان من دخول المؤامرة على الخط، بحيث بدأت الأحزاب اللبنانية تتهم الطرف الآخر بالوقوف خلف اقتحامات المصارف، إنها المؤامرة الدائمة على الشعب اللبناني التي تبقيه خاضعاً لسلطة الأحزاب، هواجس يعرف السياسيون اللعب على وترها بصورة جيدة، فهم أتقنوها منذ عقود طويلة.

لأول مرة يتفق المحوران المشتبكان في لبنان على قضية واحدة، الاثنان ضد المودعين، محور “الممانعة” يتهم السفارات والقوى والسيادية بأنها خلف اقتحامات المصارف، وهي مؤامرة على “العهد القوي”، بينما محور “السيادة” يعتبر أن هذا لبنان “الممانعة” ولن يخرجنا منه إلا رئيس إنقاذي، هكذا علق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على اقتحامات المصارف، ولم يقف الأمر عند القوى التقليدية والمحورين الظاهرين فقط، بل حتى أن جزءاً من الثورة انتفض ضد المودعين، واصفاً ما يحصل بأنه مؤامرة، بحجة أن هذا سيؤدي إلى إقفال المصارف، مما يمنع سحب المواطنين لودائعهم.

بدل أن تقدم الأحزاب حلولاً جدية، “عادت حليمة لعادتها القديمة”، المؤامرة هي السبب، فهي إما مؤامرة الامبريالية العالمية وفقاً لـ”الممانعة”، أو أنها مؤامرة إيرانية وفقاً لـ”السياديين”، كأن ما قام به المودعون هو عمليات سرقة، لا محاولات استعادة حقوقهم. كأن الدولة استطاعت إدارة الأزمة وإقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة، لا أنها حتى الساعة، ومنذ ثلاث سنوات، لم تستطع إقرار قانون “الكابيتال كونترول”. كأن الشعب هو الذي هرّب أمواله إلى الخارج لا النافذين وأصحاب المصارف، الذين لم يقدموا أي طرح يطمئن المودعين، والآن يلومونهم على اتخاذ إجراءات متطرفة لتحصيل حقوقهم. كان يمكن أن تكون الطروحات بسيطة، مثل أن يكون هناك سماح بسحب بعض الودائع في حالات الطوارئ، وتحديداً الصحية منها، أو أن ينفذ القانون المتعلق بالطلاب اللبنانيين في الخارج، ولكن لا، هذا لا يفيد البوتقة الحاكمة، ولا حتى الأحزاب التي تدعي أنها معارضة، فهؤلاء مودعون عاديون، وليسوا تجاراً كباراً يستطيعون الافادة منهم عبر “الكوميسيون”، بينما يشاهد المودعون التجار الكبار قبل الأزمة زادوا ثراء بعدها، بل أصبح هناك تجار جدد يحققون أموالاً طائلة، هم مافيا الصيرفة، التي تتقاسم السوق، وكل قسم منها محسوب على أحد الأطراف السياسية، فماذا يمكن للمودع أن يفعل في هذه الحالة، وخصوصاً من لديه أحد أحبائه بحاجة إلى علاج، أو من لم يعد يستطيع تحمل كلفة العيش، بسبب غلاء الأسعار بصورة غير مقبولة؟ هذا المودع اليوم يدفع أكثر من نصف راتبه فاتورة مولد كهرباء، فهل يجب أن يتقبل المودعون أن أموالهم طارت؟ من أجل من ولماذا؟

يا لوقاحتهم، يصوّبون على الضحية بدل أن يعترفوا بخطاياهم، وأن يطلبوا السماح من الشعب، الذي هو للأسف ضائع، لا يعرف ماذا يفعل، يتعرض لضخ بروباغندا المؤامرة كل الوقت، لذلك يسير كما يقول زعماؤه، ويتنكر للمودعين الذين يحصلون حقوقهم، بدل أن ينتفض ضد من أوصله إلى الواقع الذي يعيشه، بينما زعماء الأحزاب يدّعون أنهم مع حقوق المودعين، ويزدادون ثراء هم وحاشيتهم المقربة، عبر استغلال الأزمة إن كان لجهة دعم التجار المقربين من أموال المودعين، أو الأرباح الطائلة من ميليشيات الصيرفة لديهم، وهم يضعون الشعب في مواجهة مع نفسه، ويقومون بتأليب الرأي العام عند جمهورهم ضد المودع صاحب الحق.

شارك المقال