الأمن المفروض في طرابلس “مش ماشي حاله”… والعيْن على المخيّمات

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يكفّ المتابعون لشؤون مدينة طرابلس عن التحدّث عن خطرٍ كبير تخشاه المرجعيات الطرابلسية لا سيما السياسية منها (والتي لا تبوح بتفاصيل معلوماتية مرتبطة بهذا الأمر علناً)، من ضربة وخضة أمنية تبدأ من المدينة لتمتدّ إلى باقي المناطق اللبنانية التي لن تكون بمنأى عن هذا الخطر الكبير، والذي يُقال انّه سيبدأ من مخيم البداوي شمالاً، الأمر الذي يُقلق الطرابلسيين من جهة، كما المعنيين بالشؤون المحلّية والفلسطينية من جهة ثانية، من احتمال تكرار سيناريو نهر البارد الذي أعاد مشهد شتات الشعب الفلسطيني المحروم إلى الواجهة من جديد، وتُضاف إليه أزمة النازحين السوريين الذين لجأ الكثيرون منهم أيضاً إلى هذا المخيم بعد خروجهم قسراً من بلادهم التي خنقت برائحة القتل والدماء.

واشتعلت هذه الظنون واشتدّت الشكوك منذ ساعات، لا سيما بعد تعرّض دورية من قوى الأمن الداخلي لاطلاق نار في الهواء من المدعو ح.ط أثناء تسليمه مذكّرة تبليغ صادرة بحقّه، إذْ مزّق المذكرة ثمّ فرّ إلى داخل مخيم البداوي، وانتشرت شائعات تلفت إلى أنّ السيناريو الذي يُركّز على ضرب أمن المخيم واللاجئين مع النازحين قد يكون قابلاً للتنفيذ، وذلك في وقتٍ “تعجز فيه القوى الأمنية عن التحكّم بهذه المخيمات”، وفق معطيات صحافية تنكرها وتنفيها نفياً قاطعاً قيادات ومرجعيات في هذا المخيّم تحديداً لـ “لبنان الكبير”.

منذ أسابيع قليلة، لم يخفِ طبيب فلسطيني يعمل في المخيم، اضطراره الى تأجيل العديد من العمليات الضرورية والدقيقة بحيث أقنع مرضاه وبسرية تامّة بأنّه “يشمّ رائحة حرب، دفعته كما غيره من الأطباء إلى إرجاء بعض العمليات لأسابيع أو لأيّام لمعرفة المستجدّات السياسية والأمنية محلّياً”.

الطبيب الذي توجه إلى سوريا منذ فترة، عاد فيما بعد ليُؤكّد استمراره في عمله، في ظلّ قلق يشعر به على الوضع الأمني، في وقتٍ تُؤكّد مصادر فلسطينية أنّ هذا المخيم تحديداً ومهما بلغت حال أبنائه الاقتصادية والمعيشية من صعوبة كبيرة، لا يخرج أيّ منهم عن سلطة الدّولة، إذْ “تتعاون الأجهزة الأمنية في المخيم مع القوى الأمنية باستمرار، وتقوم كعادتها بتسليم المطلوبين إلى الدّولة مباشرة ولا تسمح بأيّ تطاول أمني يُهدّدها أو يُهدّد سكان المخيّم، حتّى أنّنا ندقّق دائماً في وضع كلّ من يدخل أو يخرج منه لمنع أيّ طابور مأجور يسعى إلى إحداث خلل أمنيّ نرفضه، فالوضع يبقى تحت السيطرة حتّى هذه اللحظة، لكن سبق وأعلنّا ونذكّر من جديد بأنّ هذا المخيم يُعاني من احتمال حصول انفجار اجتماعي فيه بسبب تفاقم الفقر والعوز اللذين يُعانيهما الكثير من أبنائه، وهذا ما يجب التركيز عليه والاكتراث به في هذه البلاد”.

وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أعلن عن “خطّة أمنية مستدامة لطرابلس خصوصا”ً، على أن يُتابع تفاصيل الجريمة المروّعة التي وقعت في المدينة أخيراً، من دون الكشف عن تفاصيلها ومتابعة تحقيقاتها بشخصه لكن بسرية تامّة مع إخفاء أسبابها وخلفياتها.

وإذْ يرى البعض أنّ إخفاء التحقيقات يأتي ضمن إطار حفظ الأمن وإبعاده عن الفتنة في حال ربطت تفاصيل الجريمة بـ “داعش” وبانتماء المغدور إلى الطائفة العلوية، يُؤكّد البعض الآخر أنّ إخفاء تفاصيل الجريمة بأيّ شكل لا يُفيد سلامة هذه المدينة ويسعى إلى طمس الحقائق تماماً كما يحصل في كلّ الملفات والقضايا.

يُمكن القول إنّ الطرابلسيين لم يقتنعوا بالأمن الذي “لا يكون بالتراضي والاتفاق بل يكون بالفرض” وفق مولوي، إذْ ربطوا كلّ التحركات الأمنية والتي كانت عبارة عن حصول بعض الاقتحامات لمطلوبين أو التدقيق في هويات المارة لساعات وبحركة لم تستمر يومياً، بخطة شبيهة كان أطلقها وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق والتي كانت مبنية على “ركاكة” فرضتها تسويات سياسية لا إنجازات أمنية يُحتذى بها، وهي نفسها الخطة التي نفذت أخيراً باستعراضات جاذبة إعلامياً، وبتهويل دفع الجيش اللبناني إلى تنفيذ عمليات تمشيط ودهم في مزارع زيتون ​أبي سمراء​ وغيرها، منذ ساعات الفجر الأولى، الأمر الذي أيقظ الطرابلسيين على “أمن الغفلة” الذي لو نفذ حقاً منذ أعوام في طرابلس وغيرها من المدن لما كان تجرأ أحد على أيّ تجاوز، مع العلم أنّ التجاوزات استمرّت حتّى مع تنفيذ هذه الخطة، في ضوء تواصل عمليات النشل والسرقة المختلفة، ما دفع بالقائمين على بعض مجموعات “الواتساب” إلى توجيه نصيحة الى الناشرين لحثهم على عدم نشر ما يُحدّد مكان الحواجز الأمنية لا سيما ليلاً.

وفي وقتٍ يشير كثيرون إلى أنّ هذه “اليقظة” الأمنية لن تستمرّ طويلاً، يتساءل مراقبون لملف “داعش” الارهابي عن الطائرات الآتية من النجف يومياً إلى بيروت ومصيرها وتوجهات أبنائها بعد قرار مولوي الاعفاء من تأشيرة الدخول ومنح الاقامة للعراقيين مجاناً في لبنان، في وقتٍ كان يقوم الاعلام بفتح ملف الارهاب ودخول “داعش” إلى طرابلس، “ولا نجد تحرّكاً أمنياً في هذا المجال، الأمر الذي يطرح علامة استفهام حول قرار مولوي المشبوه إذا صحّ التعبير، وإذا كان اللاجئون أو النازحون شماعة يُعلّقون عليها مخاوفهم وهي محقّة أحياناً، ولكن ألا يجب وضع خطة شاملة وتنفيذها بدقة وسرية؟ لكن العادة جرت في هذه المدينة أن توضع خطة غير مكتملة العناصر، ولا تستمرّ إلّا لساعات معدودة وسط تقاعس واضح من الأجهزة الأمنية المسؤولة”.

شارك المقال