التشكيل وانتخاب رئيس… والتفريغ خيانة عظمى

هيام طوق
هيام طوق

فجأة عاد التفاؤل الى ملف التشكيل الحكومي بعدما كانت كل المؤشرات والخلافات وحرب البيانات والتصعيد في المواقف بين الطرفين المعنيين بالتأليف تدل على أن الولادة الحكومية شبه مستحيلة في ولاية العهد الحالي. تفاؤل مرده الى اقتناع الجميع بأنه لا يمكن لأي طرف تحقيق كل ما يريد أو يخسر كل ما يريد، أي ضرورة التوصل الى مسار وسطي من خلال التنازلات المتبادلة خصوصاً أن الوقت أصبح ضاغطً، والأوضاع المعيشية تنذر بالأسوأ، وبالتالي، ضرورة الانتقال من مرحلة التفاوض حيث كل فريق يرفع من سقف طروحاته ومطالبه، الى مرحلة الخطوات الجدية والتطبيقية لتشكيل الحكومة .

وبغض النظر عن الضغوط الداخلية والخارجية التي مورست على طرفي التأليف لتليين المواقف لأهداف كثيرة، الا أن ما يستدعي الاستغراب الحديث عن أن الاصرار على التشكيل يعني حكماً أن لا رئيس جمهورية في المهلة الدستورية، وكأن الاستحقاق الحكومي بديل عن الاستحقاق الرئاسي مع العلم أن الاستحقاقين دستوريان يجب اجراؤهما في المواعيد المحددة.

وفي حين يشكك البعض بإمكان التشكيل بعد عودة الرئيس نجيب ميقاتي من السفر على الرغم من التفاؤل على هذا الصعيد، يبقى السؤال: هل أصبح المنطق السائد أن اجراء استحقاق دستوري يلغي الآخر، وذلك تداركاً لأي فوضى أو انزلاق أمني فقط؟

أكد الوزير والنائب السابق إدمون رزق في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه “لا يمكن لأي عمل أن يكون بديلاً من آخر. الحكومة تبقى حكومة وفي حال الشغور الاستثنائي الموقت والعابر يمكن أن تتولى السلطة مرحلياً، لكن العجز عن تأليف حكومة ومنع انتخاب رئيس للجمهورية في آن واحد هو ذروة الخيانة العظمى لأن الامتناع عن تطبيق الدستور أدهى من خرقه فهو يؤدي الى نوع من اعدام الجمهورية. بكل أسف ان لبنان اليوم بين أياد عدوّة أكثر منه في حمى حكم جدير. الحديث عن أن تشكيل حكومة يعني حتماً أن هناك شغوراً رئاسياً، يمكن وضعه في خانة الخيانة العظمى بحيث أن عدم انتخاب رئيس ونهاية الولاية يعني الفراغ. وفي هذه الحالة هناك تفريغ ارادي لا مجرد صدفة”.

ورأى أن “هذا العجز وتفريغ المؤسسات الدستورية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية وعدم تشكيل حكومة هو بمثابة خيانه عظمى يرتكبها جميع المعنيين. انه جرم مشهود اذ يعلم المسؤولون متى تنتهي المهل، ويدركون الآليات الدستورية في هذا الاطار، ولا يقومون بالواجب. هذا دليل ارادة في تفتيت البلد، يقتضي صحوة شعبية جارفة تفرض العودة الى الدستور”، مشيراً الى أن “كل ما نسمعه اليوم من تفسيرات ليس سوى هروب الى الأمام وذرائع تدل على الفشل، وكل هذه التمويهات لا تغيّر حقيقة أننا أمام حكم فاشل وعاجز ومرتكب”.

واعتبر أن “الدولة اللبنانية اليوم خارج مسار النظام الديموقراطي، لا بل المعايشة الحضارية بسبب عدم أهلية مزدوجة لدى متولي الأمر سواء أكان لجهة المعرفة أو لجهة الارادة. وكأن لبنان محكوم بناس يسعون الى تصفيته بدلاً من انقاذه، ومسؤولية تغيير ذلك بيد الشعب الذي يجب أن يعبّر عن ارادته بالرفض القاطع لاستمرار المشهد المخزي، وفرض عملية النهوض التي لا يمكن أن تتحقق بوجود الطواقم الحالية في السلطة من أعلاها الى أدناها لأن الانهيار هو نتيجة مزدوجة لعدم الأهلية وفقدان الارادة. لا يمكن التغيير في النتائج الا بتغيير المقدمات (لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). المطلوب بإلحاح التغيير ولو بالثورة الشعبية العارمة غير الدموية”.

اما الوزير السابق فارس بويز فقال: “لست أكيداً أن هناك عملية تسارع لتأليف الحكومة، اذ أن هناك فريقاً يخشى التأليف الذي يسمح للحكومة في حال الفراغ الرئاسي، أن تتسلم الحكم فيما لديه حجة حالياً أن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع ممارسة هذه الصلاحيات. لذلك، أشك في أن تكون هناك رغبة جدية في التأليف خلافاً للأجواء المتقلبة التي تحيط بهذا الموضوع”.

اما لناحية الاصرار على التأليف ومرده الى أن كل الأفرقاء باتوا على قناعة تامة أن لا انتخاب للرئيس في المهلة الدستورية، فرأى بويز أن “مشكلات انتخاب رئيس الجمهورية منفصلة عن هذا الموضوع بشكل أو بآخر أي أنه حتى الآن ليس هناك من فريق يستطيع أن يجمع لوحده 86 نائباً الضروريين لاكتمال النصاب في الجلسة الأولى. وفي هذا السياق، فإن الافرقاء لم يصلوا فعلاً الى درجة التوافق حول نوعية الرئيس المطلوب. عملية انتخاب رئيس الجمهورية لا تزال غامضة ومعرقلة لأن ليس هناك أي فريق من الفريقين الأساسيين قادر على ايصال رئيس الى قصر بعبدا”، متسائلاً “هل يمتلك التغييريون والمستقلون فعلاً القدرة على الوحدة ليشكلوا بيضة القبان أو حالة ضاغطة على الفريقين بحيث إن صوّتوا مع فريق معين يمكنهم ايصال رئيس؟ أعتقد أن هذا الموضوع ليس مبلوراً حتى اليوم بشكله الكافي”.

أضاف: “هناك خشية أمنية من تدهور الوضع عند الجميع، وتخوف من أن تفلت الأمور من أيدي الجميع أيضاً في حال دخلنا في مرحلة الشغور. وعلى الرغم م أنني لا أؤمن بشيء اسمه فراغ في العلم الدستوري لأن هناك نظرية تتحدث عن ضرورة استمرارية المؤسسات، الا أن البعض يخشى من عدم تأليف حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية أن يصبح الجيش والقوى الأمنية من دون غطاء سياسي ما يمكن الفوضى من الانتشار في البلد، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. لا شك أن الأوضاع الأمنية التي شهدناها في الأيام الأخيرة هي التي أصبحت ضاغطة، والاصرار على التشكيل مرتبط بهذا الاعتبار أكثر مما هو مرتبط إن كان سيحصل الشغور على مستوى الاستحقاق الرئاسي”.

ولفت الى أن “هناك فريقاً لا يريد في ظل الفراغ الرئاسي أن تحكم الحكومة المستقيلة أو يريد أن يفاوض على موضوع خطر الفراغ الحكومي مقابل مكتسبات سياسية معينة. في النتيجة هناك نظريتان: نظرية في القانون الدستوري التي تتحدث عن ضرورة استمرارية المؤسسات التي تجعل من حكومة تصريف الأعمال قادرة على الحكم في حال الشغور الرئاسي. والنظرية الثانية التي تقول ان الضرورات تبيح المحظورات، اذ أنه في حال قال البعض ان هذه الحكومة بحسب الطائف لا تستطيع الا الممارسة بالمعنى الضيق للسلطة، فهناك الضرورات التي تبيح المحظورات أي أنه اذا طرأ طارئ يحتاج الى قرار مهم، فهي حتماً تحكم وفقاً للضرورات”.

شارك المقال