الحرب الأوكرانية غيّرت وجه أوروبا بالفعل

حسناء بو حرفوش

هل أدرك السياسيون التغيرات الهائلة التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا في جميع أنحاء أوروبا؟ سؤال يجيب عنه أندرو ميشتا من المركز الأوروبي للدراسات الأمنية في مقال يؤكد أن “المقاومة الأوكرانية الشديدة التي كبحت الجهود الروسية الأولية للاستيلاء على كييف أدت إلى تحول أساس في الأمن الأوروبي”.

ووفقاً للتحليل، “تحول مركز الثقل في القارة من الغرب إلى شمال وسط أوروبا وبدأت عملية إعادة الناتو إلى بداياته كحلف دفاعي. وأجبر قرار الولايات المتحدة بوقف استيلاء بوتين على أراضي الاتحاد السوفياتي سابقاً، من خلال دعم حرب أوكرانيا، أوروبا على إعادة النظر في أساسيات الأمن القومي التي سعت الى تجنبها خلال العقود الثلاثة التي تلت الحرب الباردة. وأدى ذلك في حالة ألمانيا على سبيل المثال، إلى رفض شامل لأكثر من عقدين من السياسة المعتمدة تجاه روسيا. وإذا استمر عزم برلين، فمن المحتمل أن يعاد تعريف الثقافة الاستراتيجية الألمانية بصورة كاملة.

والحال سيان بالنسبة الى بولندا التي برزت باعتبارها الحليف الأوروبي الرئيس لأميركا في هذه الأزمة والدولة الحدودية الرئيسة لحلف شمال الأطلسي التي تساعد أوكرانيا. أدى مسار هذه الحرب إلى تحويل مركز ثقل التحالف شرقاً من خلال الدعم الثابت الذي قدمته دول الجناح الشرقي المتاخم لروسيا – باستثناء المجر بقيادة فيكتور أوربان – وانضمام فنلندا والسويد الوشيك إلى الناتو.

وبمجرد انضمام فنلندا والسويد، سيكتسب الحلف قدرات عسكرية حقيقية إضافية. والأهم من ذلك، أن ما لا يناقش كثيراً اليوم هو أن أوكرانيا لديها الجيش الأكثر قوة في جميع أنحاء أوروبا، باستثناء القوات الأميركية المنتشرة. ويتضح ذلك من خلال الحملة العسكرية الناجحة المستمرة للجيش في الجنوب والشرق حيث استعادت السيطرة على أجزاء من أراضيها. إضافة إلى ذلك، تتفوق قدرات دول الناتو الأخرى على طول الجانب الشرقي، بما في ذلك دول البلطيق ورومانيا وبلغاريا والدول الأوروبية في منطقة البحر المتوسط ​​عبر الدول الاسكندنافية وبحر البلطيق وصولاً إلى البحر الأسود، على حديث الناتو الدائم حول تقاسم العبء.

وسيكون لهذا التغيير البحري على الأمن والدفاع في أوروبا تأثيراً واسع النطاق على المصالح الأميركية والالتزامات الأمنية على مستوى العالم. وتخلق إعادة تسليح الدول المجاورة لحلف شمال الأطلسي والتزامها القوي بالعمل مع الولايات المتحدة الظروف المطلوبة التي ستقلل، مع مرور الزمن، العبء النسبي على القوة الأميركية للدفاع عن أوروبا، مما يسمح بتعزيز الدفاعات في آسيا لردع الصين. وفي الواقع، تعمل مقاومة أوكرانيا الحازمة لروسيا على تغيير معادلة القوة في كل من أوروبا وآسيا. ويستمر تصميم كييف على القتال حتى النصر بإضعاف الجيش الروسي بطريقة تقلل من التهديد الذي سيشكله بوتين على أوروبا في السنوات المقبلة، وبالتالي تحرير موارد الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الصيني المتزايد في آسيا.

ولا يزال الوضع في أوروبا مرناً، لكن الثابت هو أن الحكم البوتيني في روسيا أثبت على مدى السنين الماضية أنه ما لم يتم إيقاف الآلة العسكرية الروسية، ستستمر موسكو بالاعتماد عليها للضغط من أجل تحقيق ميزة جيوسياسية في أوروبا، مما يزيد من إحتمالية نشوب حرب أوسع في القارة. كما لا يمكن (تجميد) الحرب في أوكرانيا في هذه المرحلة، لأن أي اتفاق سلام مع المقاتلين سيكون بمثابة انتصار لبوتين. وهذا يعني أن أوروبا لن تستمتع بالأمان إلا عند هزيمة الجيش الروسي بصورة لا لبس فيها في أوكرانيا، بطريقة تجعل الشعب الروسي يفهم تماماً ما حدث ومن دفعه إلى الحرب. عندها، تتوفر أمام روسيا فرصة لدفن إمبرياليتها ولتتحول إلى دولة حديثة”.

شارك المقال