لماذا القلق من لقاء دار الفتوى؟

الشيخ حسن مرعب

لست أدري ما الضير في أن يجتمع النواب السنة تحت قبة دار الفتوى،

وخاصة في هذا الظرف الدقيق، والمرحلة المفصلية، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني الخطير الذي يمر به لبنان؟

والعجب كل العجب من الضجة التي أثيرت حول الاجتماع وأسبابه ومدلولاته، وخلفياته ونتائجه الخ …

يا سادة أليس من حق السنة الذين هم ركن أساس لهذا الوطن أن يلتقوا وأن يجتمعوا؟

وإن لم يجتمعوا في مثل هذه الظروف فمتى يجتمعون؟

وإن لم تجمعهم قبة دار الفتوى فمن يجمعهم؟

يا سادة إقرؤوا الدستور اللبناني: (مفتي الجمهورية اللبنانية هو الرئيس الروحي للمسلمين في لبنان) فعندما يجتمع المفتي مع النواب السنة فهو يجتمع مع من اختارهم أبناؤه ورعيته ممثلين لهم تحت قبة البرلمان.

وهذا ما لم يفهمه من يسمّون أنفسهم بنواب التغيير، ممن وصلوا بأصوات السنة، ويتعالون عن تمثيلهم والتباحث في شؤونهم وأوضاعهم في هذا الظرف الدقيق بحجة أنهم نواب لكل الوطن، لذلك كان سقوطهم مدوياً، وأنهوا ولايتهم في البرلمان سريعاً، فهم تخلوا عن دورهم، الذي من أجله انتخبهم السنة، وهم نجحوا بأصواتهم لا بأصوات غيرهم، ولا حتى بأصوات العلمانيين أمثالهم، ولو كشفت حقيقتهم قبل الانتخاب، لما رأوا المقعد النيابي، ولا حتى بوابة مجلس النواب.

وكم رأينا مثل هذه الاجتماعات تحت الصرح البطريركي في الديمان، وعند غيرها من المرجعيات الروحية، ولم يكن ثمة تركيز وتدقيق وتمحيص، وضجة إعلامية، وترقب كما هو اليوم!

وهذا إنما يدل على أحد أمرين:

الأول هو أن السنة في لبنان مع ما مروا ويمرون به من مصاعب وأزمات وملمات، لا يزالون اللاعب الأساس في السياسة اللبنانية، ويستطيعون تغيير كفة الميزان لصالح من يرونه مناسباً فهم كما يقال “بيضة القبان” والمؤتمنون على السلطة التنفيذية، وحقيقة هم ضمانة لبنان واستقراره، فالكل ينتظر قرارهم وخيارهم.

والثاني هو أن البعض كان يظن أنه من كثرة الطعنات والضربات من فوق الحزام ومن تحته، والعمل على إضعاف القيادات والمرجعيات، السنة لن تقوم لهم قائمة، وقد أصبحوا أيتاماً، تستطيع كل جهة أن تكفل قسماً منهم، وتجعلهم تبعاً لها تزيد بهم عددها وأصواتها.

ولم يكن أحد من هذه الجهات يتوقع أن يقوم المفتي دريان بهذه المبادرة، (مع أنه معروف بحكمته وحنكته السياسية) ويجمع أبناءه تحت عباءته، ويقول لكل الطاعنين والضاربين: نحن هنا، ولا زلنا هنا، لنا كلمتنا ورأينا وخيارنا، وقضمكم لنا واستئثاركم بقرارنا كبير جداً عليكم.

فالسنة كانوا أم الصبي في لبنان، وسيبقون كذلك ما بقي لبنان، تنضوي تحت لوائهم الجهات ولا ينضوون تحت لواء أحد.

وقبة دار الفتوى قبة وطنية جامعة، لا طائفية ولا فئوية، وإن كان اللقاء فيها هذه المرة لأبنائها النواب السنة فقط، فإنها لم تتخلَّ عن دورها الجامع لكل أبناء الوطن، بأطيافه وطوائفه ومذاهبه كافة، والتاريخ خير شاهد.

واجتماع يوم السبت لن يكون الا لمصلحة الوطن، واستقراره واستمراره، سيداً حراً مستقلاً، مثالاً للعيش المشترك.

فمن يراهن على تطييف اللقاء ومذهبته وتضييق أفقه وحصره بأهل السنة وشؤونهم وشجونهم فقط هو واهم ورهانه خاسر.

فدار الفتوى الدار الوطينة الجامعة، وعلى رأسها سماحة المفتي دريان راعي الوسطية والاعتدال، لا يصدر عنها الا قرار جامع فيه مصلحة لبنان، كل لبنان قبل مصلحة فريق من اللبنانيين.

ومن يراهن على ضعف السنة وتفرقهم وتشرذمهم فهو واهم ورهانه خاسر أيضاً.

فالسنة أقوياء بحكمتهم واعتدالهم، ونظرتهم البعيدة، وأشداء أيضاً ولكن ليس على شركائهم في الوطن وإنما على أعدائهم.

وكما كانوا صمام أمان هم باقون كذلك، وكما أنقذوا لبنان في السابق وأعادوا بناءه، سيكونون كذلك، وكما افتدوا لبنان بأرواحهم في السابق، هم اليوم كذلك.

وفي الختام، من أنجبت المفتي الشهيد حسن خالد، والعلامة الشهيد الشيخ صبحي الصالح، والرئيس الشهيد رشيد كرامي، والرئيس الشهيد رفيق الحريري، رحمهم الله وتقبلهم، لا تزال ولاّدة…

وإن غداً لناظره قريب.

شارك المقال