الترسيم نعمة أم نقمة؟ أنظروا الى العراق…

ليندا مشلب
ليندا مشلب

الولايات المتحدة تريد خلق سوق بديلة عن روسيا لتغذية أوروبا بالغاز والا ما كنا لنحلم في عمرنا أن نستخرج غازاً أو نوقع اتفاق ترسيم مع اسرائيل… معادلة حفظناها عن ظهر قلب.

نحن استغلينا هذا الأمر وفي التوقيت المناسب وفرضنا شروطنا فقبلوها: الخط ٢٣ مع حقل قانا كاملاً، هدف وصلنا اليه بموقف موحد، هللنا له ورفعناه نصراً مبيناً.

الفرنسي أعطانا ضمانة التنقيب والاستخراج، والأميركي اقترح المنطقة العازلة (الطوافات) تحت اشراف الأمم المتحدة. تلقفنا الطرح وعملنا على تحسين شروطنا ورفضنا أن تمس بنقطة الـB1 البرية فبقيت المنطقة بعيدة عنها مسافة ٥٥٠ متراً… نصر آخر حققناه.

ننتظر الترجمة الفورية عبر توقيع الاتفاق إن في الناقورة بواسطة الأمم المتحدة، وإن في واشنطن بوساطة الأميركي الذي يعتبر هذا الأمر انجازاً يسجل لجو بايدن. فرج نترقبه والغاز يفوح من الأمل الذي أضعناه خلال السنوات الثلاث الماضية عندما تيقّنا أن الانقاذ أصبح كلمة سر لن تأتي في زماننا.

لكن مهلاً هل “خلصت خلصت قصتنا وكانت قصة بشعة كتير”؟

كلا، فالترسيم ومعناه في قلبه هو ترسيم، أي رسم لخطوط بين دولة وأخرى وليس ترسيماً لمستقبل بلد يغرق في رمال متحركة!.

في العلم العسكري بحسب قيادي في حزب مقاوم عمل على جبهات عدة، أن هذا الترسيم يفرض مخاوف كبيرة لا تزال موضع بحث وتدقيق، فمنطقة الـ٦ كيلومترات التي تريدها اسرائيل لحماية شاطئها المكشوف عليها ستفرض معادلة جديدة، وترسم معالم الترسيم البري. والاتفاق برمته يطرح علامات استفهام مهمة: ما هي الضمانات التي سنحصل عليها لتأمين توقف الاعتداءات التي تمارسها اسرائيل يومياً علينا؟ الاعتداء البري والجوي الذي يمكن أن يستدرج رداً في أي لحظة لن يكون في مصلحتها لأن لديها ما تخاف عليه، يعني بطريقة أوضح اذا قامت اسرائيل باستخدام الأراضي اللبنانية لضرب سوريا واستهدفت مركزاً لـ “حزب الله” على الحدود واستشهد عناصر من الحزب سيكون “كاريش” أهم وأسهل هدف له من أجل الرد على العملية. فالترسيم لن يكون للثروات البحرية وحسب، انما لقدرات العدو في الاعتداء على لبنان والاستطلاع في أجوائه، فسيصبح لديه انتاج وشركات أجنبية ومصالح عالمية لن يعرضها بسهولة للخطر باعتبار أن دور المقاومة يرتكز على التوازن ورد الاعتداء، وسيفكر ألف مرة قبل أن “يتحركش” بها. الوضع اختلف، فالمستعمرات يستطيع ضبضبتها باطلاق صفارات الانذار لكن الشركات والسفن وورش الاستخراج كيف سيحميها؟ هل سيفرض هذا الأمر تهذيباً على اسرائيل وهي لم تكن يوماً الا عديمة الأخلاق ومعتدية بفجور متفلت من كل الضوابط؟ بالتأكيد هذا الترسيم سيعزز من موقع لبنان أمنياً ومقاومتياً، فهل هذا ما تريده اسرائيل أم أنها ستستغل الواقع الجديد لتؤثر على دور “حزب الله” والمقاومة فتقول انه لم تعد هناك ضرورة لسلاحه طالما دخلنا مرحلة جديدة من الصراع الذي بات محكوماً بالمصالح الكبرى والاقتصاد، هو المسار الجديد الذي سيرسمه لبنان مع حدوده، والذي ستخضع له اسرائيل بمجرد التوقيع على الاتفاقية برعاية الأميركي المستقتل لانجازها؟

لكن القيادي يميل الى قناعة أن هذا الواقع لن يؤثر على دور الحزب وموقعه كونه ليس مرتبطاً بالدفاع عن لبنان وحسب، انما بمعادلة توازن الرعب مع العدو على امتداد المنطقة، وبالتالي فإن مصلحة لبنان واستفادته تتقدمان في هذه الحالة. وعلى المقلب الاقتصادي فإن العدو لا يعاني من مشكلات مادية واقتصادية والدول كلها في خدمته ولا يتجرأ أحد على وقف إمداده بكل ما يريد، وهنا تصبح حاجتنا متقدمة على حاجته. والأمران لا بد من التوقف عندهما خصوصاً اذا أعادت الانتخابات الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى الحكم، فيصبح بالحسابات الترسيم لنا اقتصادياً ومالياً ولهم سياسياً وهنا المعادلة تختلف. اما في الحسابات الداخلية فإن هذا الانجاز المحسوب لنا في خانة النصر يقابله خوف من عرقنة البلد في غياب السياسات الاصلاحية والانقاذية!.

لماذا؟

عند المباشرة بالتنقيب سيبدأ الانفراج بالتأكيد والشركات ستبدأ بدفع الأموال والنسب للدولة، لكن أي دولة نحن على أنقاضها؟ يحذر القيادي من أن لبنان بعيد جداً عن تحوله الى دولة نفطية كدول الخليج بل هو أقرب الى العراق، فيه نفط وغاز وشعبه فقير وجائع والمقدرات تذهب الى مجموعات حاكمة وكارتيلات مع بعض الاجراءات الترقيعية التي تعيد لبنان الى زمن الـ١٥٠٠ ليس كسعر للدولار، انما كخدمات بالقطارة وتحريك الدورة الاقتصادية والمصارف والتجارة، وتبدأ رحلة الصعود والهبوط وعدم الاستقرار لأن الدولة ستأخذ مداها في الفساد، وعلى الرغم من الضغط الخليجي والأميركي والفرنسي للقيام بالاصلاحات لن تسير المؤسسات على السكة ولن يحل النفط والغاز المشكلة، وهذا ما يفسر التهافت على انشاء شركات نفطية في الخارج لسياسيين ونافذين اتفقوا مع شركات الاستخراج لتصدير حصصهم الى الخارج فيتقاضونها بالـfresh تماماً مثلما حصل مع شركات الاعمار التي أنشئت عند بدء الحديث عن اعادة اعمار سوريا وبلغت ٨٠٠ من بينها شركات لبنانية موالية ومعارضة هرولت للاستفادة.

ثم اذا دخل لبنان طرفاً ثالثاً في كونسورتيوم التنقيب بدل شركة “نوفاتيك” الروسية التي انسحبت، ألن يفرض هذا الأمر دخولاً مباشراً على الآلية المشتركة لتصدير الغاز والنفط ضمن تجمع النفط الشرق أوسطي؟

في النهاية، لا تفرحوا كثيراً بدخول لبنان الى نادي الدول النفطية طالما الفساد ضاربه من رأسه الى قدميه، تضاف اليه اسرائيل المتمركزة على حدوده. أنظروا الى العراق واليمن (بدأت أعمال الاستخراج عام ١٩٨٤ ويحتويان أهم الحقول النفطية) والجزائر (تعد الدولة التاسعة في منظمة أوبك بحسب عائدات النفط، وصُنِّفت في المركز التاسع من حيث صافي عائدات النفط) والسودان (يبلغ احتياطيه من النفط المؤكد 6.8 مليارات برميل (2010) م، ويحتل الرقم 20 في العالم، بينما يبلغ احتياطيه المؤكد من الغاز الطبيعي (2010) مليار متر مكعب) وليبيا… أين هذه الدول الآن وأين النعيم الذي أتى عليها من مخزونها النفطي؟ ولماذا الذهاب بعيداً؟ فنحن نشبه حالياً فنزويلا، ماذا حل بها وهل أنقذها نفطها؟

لبنان على الطريق!

شارك المقال