أي عصا سحرية “شغّلت” عجلات الحكومة؟

محمد شمس الدين

أعجوبة السياسة تتمثل في النموذج اللبناني، فمن يشاهد كيف تتغير الأمور بين ليلة وضحاها، يظن أن هناك من ألقى سحراً، أو رتل تعويذة كي يغيّر الواقع. في الأسبوع الماضي، كان أي سياسي في لبنان اذا سئل يؤكد مئة بالمئة أن لا تشكيل للحكومة، والبلد متجه إلى فراغ على الصعيدين الحكومي والرئاسي، ولكن فجأة وبسحر ساحر، تم تشغيل عجلات التشكيل بسرعة، ورئيسا الجمهورية والحكومة أصبحا يستعجلانه، فكيف حصل ذلك؟ ومن هو المشعوذ أو الساحر، الذي ألقى عصا موسى وفرض تشكيل الحكومة؟

أوساط مطلعة أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن “حزب الله” الذي كان لا يتدخل إن سلباً أو إيجاباً في الاستحقاق الحكومي تحرك بصورة مكثفة الأسبوع الماضي، وتواصل مع كل الأطراف، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وأصر على أن تتشكل الحكومة في أسرع وقت ممكن.

أما عن سبب قيام “حزب الله” بذلك، فلفتت هذه الأوساط الى أن الحزب يتخوف من خضة كبيرة في البلد تتزامن مع نهاية ولاية الرئيس عون، التي سترافقها مواكبة شعبية، بعدما تواردت معلومات لديه أن العونيين سيتجمعون في قصر بعبدا لمنع عون من مغادرة القصر، وسيعلنون التظاهر هناك، وإن كان الحزب ليس معترضاً بالشكل على بقائه في بعبدا إلا أن هناك معلومات توافرت لديه عن تحرك شوارع معارضة لعون، ستتجه لـ”قبعه” بالقوة من القصر، وفي هذه المرحلة الدقيقة لا يريد أي نوع من الفوضى في الشارع، وتحديداً أن الحشود المعارضة وفق معلومات الحزب ستأخذ طابعاً سنياً، ويتخوف من أن يسيل الدم في الشارع، لذلك شغّل محركاته باتجاه الفرقاء المعنيين، وضغط بكل قوته لفرض تشكيل الحكومة.

وعن شكل الحكومة، أشارت الأوساط الى أنها أصبحت شبه معروفة، وهي حكومة الرئيس ميقاتي الحالية نفسها، مع إصرار من الرئيس المكلف على تغيير وزير المهجرين بسبب الخلاف بينهما، وبالطبع مع إعطاء الحق لكل فريق بتغيير وزرائه من دون أي تغيير في الحصص، متوقعة أن يتم تغيير بين 3 إلى 4 وزراء في الحكومة، مع بقاء الحقائب لكل فريق وفق المحاصصة السياسية نفسها، والوزارات التي من شبه المؤكد أن تشهد تغييراً هي وزارات المهجرين والمال والاقتصاد.

ولجهة الاستحقاق الرئاسي، أوضحت الأوساط أن الفراغ بالمبدأ هو سيد الموقف، ولكن هناك احتمال كبير أن تمر لحظة مناسبة، وتعقد جلسة الانتخاب، ويمر الاستحقاق بهدوء، ولاسيما أن حزب الله رفع “الفيتو” عن قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي ارتفعت أسهمه بصورة كبيرة، بحيث جرى ترتيب العلاقة بينه وبين الحزب عبر فرنسا، ولكن هذا لا يعني أنه الرئيس المقبل، فحظوظ رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لا تزال مرتفعة جداً، وهو يحتاج إلى تأييد جبران باسيل فقط، لتكون الرئاسة شبه مضمونة له. ولكن في الوقت نفسه فرنجية لا يريد أن يكون رئيساً رغماً عن الدول الاقليمية المعنية بالشأن اللبناني، ولا يريد تكرار تجربة الرئيس عون، التي تسببت بعزلة دولية للبنان، بل هو يريد أن يسجل في عهده انتشال البلد من هذه العزلة، لا أن يستمر بالنهج المتبع نفسه. ورأت الأوساط أن فرنجية في حال تيقن من عدم قدرته على فتح الأبواب الاقليمية أمام لبنان، قد يتراجع بنفسه عن الترشح للرئاسة.

إذاً، لم تشتعل النار تحت طبخة الحكومة بسحر ساحر، بل كان هناك من يحمل عود الثقاب، و”حزب الله” هو الذي أوقده، وإن كان الملف الحكومي لا يهمه ولا يؤثر عليه بصورة مباشرة، إلا أنه يريد منع الفوضى بأي طريقة، حتى لو عنى الأمر خلافاً مع حليفه البرتقالي، فعلى الرغم من الحلف الوثيق بينهما، إلا أن أولويات الحزب هي الحفاظ على الهدوء في الساحة الداخلية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها “حزب الله” في الوقت الضائع، اذ دأب على التدخل في استحقاقات عدة عندما وجد أن الأمر يهدد السلم الأهلي في البلد، كون السلم من الأولويات في أجندته.

شارك المقال