الانفصام البرتقالي بين “هذه صلاحياتي” و”ما خلونا”

محمد شمس الدين

“أنا أعرف مصلحة لبنان العليا وأنا أحددها، وأنا في مركز المسؤولية وهذه صلاحياتي لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمة وسلامة الأرض والشعب، وأرسيت توازناً وطنياً حتى نحقق الاستقرار ونعيد بناء لبنان من جديد. هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي”. بهذه الكلمات أنهى رئيس الجمهورية ميشال عون أول جلسة حكومة في “العهد القوي”، ضارباً بيده على الطاولة، الأمر الذي أشعر وزراء “التيار الوطني الحر” في الحكومة يومها بالانتشاء من صرامة رئيسهم وقوته، فيما كانت أبواق السياسة والاعلام تخرج على كل وسائل المرئي والمسموع والمكتوب تهلل وتبشر لبنان بعهد جديد، ستجعل سكان جنة عدن يحسدون اللبنانيين على النعيم الذي يعيشيون فيه.

نعيم الخيال الذي بشروا به، تحول إلى جهنم بكل ما للكلمة من معنى، خربت السياسة وخرب معها الاقتصاد، البلد الذي كان منارة الشرق الأوسط أصبح قصة تحذيرية، يفضل شعبه المخاطرة بحياته في قوارب الموت على العيش فيه. فماذا حصل لـ “هذه صلاحياتي”؟ وماذا عن “مصلحة لبنان العليا” التي “يحددها” الرئيس القوي؟ فجأة طغت عبارة “ما خلونا” على كل شيء، علماً أن السياسة العامة للبلد كانت بيده، وهو مسيطر على الحكومات، بل أكثر من ذلك عندما استقال الرئيس سعد الحريري رحب فريق “العهد القوي” بذلك، واعتبر أنه يمكنه اليوم البدء بمسيرة الاصلاح الحقيقي، متهماً الحريري بالعرقلة، عيّن رئيس حكومة دمية بين يديه، وأدار البلاد كما يحلو له، وفي آخر الأمر “ما خلونا”.

ولكن حتى باستعمالهم حجة “ما خلونا” هم يناقضون أنفسهم مع اقتراب نهاية العهد، فكل من يدورون في فلكهم، يتحسرون على نهاية العهد، ويعدون الشعب اللبناني بـ”البكاء دماً” عند مغادرة الرئيس عون، فهو البطل الذي سيخسره البلد، ولن يكون هناك أحد مثله في المستقبل، بل حتى أن الرئيس عون نفسه، يتمنى على أي رئيس مقبل أن يكمل مسيرة الاصلاح التي بدأها. وبغض النظر عن فكرة الاصلاح عند جماعة العهد، إلا أنه اعتراف مباشر بأنه كان يحكم البلد، وهو من قرر وجهته السياسية والاقتصادية، وهو من أقصى بقية أطيافه عن القرار فيه، وهو من أضاع مؤتمر “سيدر”، وهو المسؤول عن الكهرباء والطحين والمصارف، فكيف يقول من جهة “ما خلونا” ويقول من جهة أخرى “ستندمون على رحيلي”؟ بل انه كان يعد العدة للبقاء في الحكم عبر فبركات وبدع لادستورية.

كيف يمكن فهم هذا الانفصام؟ هذا مفهوم بالمنطق العوني فقط، ويحتاج إلى معجم خاص باللغة الخاصة بهؤلاء. هي شيفرة برتقالية لا يفهمها إلا من فقد عقله سعياً الى السلطة والتسلط، وهو اليوم في نهاية الطريق، يهذي على حافة الهاوية.

من المفترض أن يزور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اليوم قصر بعبدا من أجل تشكيل الحكومة، وفق معلومات “لبنان الكبير”، ولكن تنتشر الأخبار وتتوارد المعلومات عن أن لدى وريث العهد ورئيس ظله رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مطالب جديدة في ما يتعلق بالتشكيلة الحكومية. وبالتزامن مع هذه المطالب، كانت هناك تصريحات عدة لباسيل من الواضح أنه يوجه فيها رسائل الى حليفه “حزب الله”، الذي استعمل العصا السحرية الأسبوع الفائت دفعاً باتجاه تشكيل حكومة، فهل هذا يعني أن الحكومة ستعرقل مجدداً؟ مصادر مطلعة أشارت الى أن الأمر يحسم اليوم، إن حصلت زيارة الرئيس المكلف إلى بعبدا يعني أن الحكومة ستتألف، أما إن لم تحصل فهذا يعني أن الأمور عادت الى نقطة الصفر، وأن باسيل انقلب على حليفه “حزب الله” في الشأن الحكومي.

على وقع بث السموم الباسيلية في الطبخة الحكومية، فاجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الجميع بالدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يوم غد الخميس، وهو بذلك أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد، وعلى رأس أهدافه كان ثنائي اتفاق معراب، فقد وجه رسالة الى الأول التيار البرتقالي بالدعوة الى عقد الجلسة، وأربك حكيم “القوات”، الذي لم تستوِ طبخته مع القوى المعارضة للاتفاق على مرشح واحد للرئاسة، ولكن هذا لا يعني أن رئيس الجمهورية سينتخب في هذه الجلسة، بل يمكن القول وفق ما أوضحت أوساط سياسية عدة إن المعركة الرئاسية فد فتحت رسمياً.

ولفتت مصادر سياسية لموقع “لبنان الكبير” الى أنه “ليس هناك أي فريق سياسي في البلد يريد تكرار تجربة ميشال عون، وعلى رأس هذه القوى الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومعهما في ذلك قوى عدة في البلد، وعلى الرغم من أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يمكنه الحصول على العدد الكافي كي يصبح فخامة الرئيس في الدورة الثانية للانتخاب، إلا أنه في حال لم يكن هناك قبول إقليمي وتحديداً من المملكة العربية السعودية، فلن ينتخب أي رئيس في الجلسة المقبلة، علماً أن فرنسا تحاول إقناع السعودية بفرنجية، الذي على الرغم من انتمائه إلى محور الممانعة، هو شخصية مرنة وعلاقته جيدة بالجميع حتى بالسعودية”.

شارك المقال