مَنْ يريد إسقاط الطائف؟

عاصم عبد الرحمن

في 22 تشرين الأول 1989 أقر مجلس النواب اللبناني اتفاق الطائف الذي طوى مرحلة الحرب الأهلية التي استمرت قرابة الـ 15 عاماً. وقد أرسى هذا الاتفاق قواعد العيش المشترك من خلال اعتماد المناصفة في مجلسَيْ النواب والوزراء ووظائف الفئة الأولى. وعلى الرغم من أن الطائف شكَّل ضمانة الشراكة الوطنية إلا أن هناك أطرافاً داخلية مدعومة من الخارج القريب تسعى بكل ما أوتيت من قوة الى إسقاطه وإرساء نظام سياسي يلبي مآرب حزبية بنكهة طائفية، فمَنْ يسعى الى إسقاط الجمهورية اللبنانية الثانية؟

تنقسم القوى السياسية من حيث الخلفيات العميقة في أدائها السياسي بين مدافع عن اتفاق الطائف ومحارب له، ولا شك أن القوى التي لطالما آمنت بهذا الاتفاق تتوزع بين طوائف عدة على رأسها الطائفة السنية بكل أحزابها وانتماءاتها السياسية، من منطلق إعادة تنظيم السلطات وفقاً لخلاصات الحرب الأهلية، وتأسيساً للتسوية الوطنية الجديدة، التي أبطلت حقيقة أن رئيس الحكومة هو بمقام “كاتب” لدى رئيس الجمهورية.

أما الطائفة الدرزية بأكثريتها الساحقة فتدافع عن اتفاق الطائف، لا بل تطالب باستكمال تطبيقه خاصة البند المتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ لتؤول رئاسته إلى شخصية درزية، كما وُعدت يوم إقراره.

وهناك المسيحيون الذين آمنوا بالمناصفة التي أرساها الطائف معتبرين أنه يعكس رسالة لبنان التعددية. وفي السياق عينه، يقول خبير دستوري مسيحي لـ “لبنان الكبير”: “ان دستور الطائف لم يأخذ شيئاً من يد رئيس الجمهورية كما يهول البعض، بل قام بكتابة ما كان يُمارَس قبل الطائف فقط، فالرئيس لم يسمِّ يوماً رئيساً للحكومة من خارج سياق العمق العربي ودار الفتوى باستثناء حالات لا تذكر”.

والجدير ذكره أن الطائفة الأرمنية تتغنى باتفاق الطائف على اعتبار أن الحكومات المصغرة ما قبل الطائف لم تكن تلحظ التمثيل الأرمني، أما بعده فلم تتشكل حكومة على اختلاف حجمها متجاوزةً المشاركة الأرمنية فيها.

كذلك هناك الذين يعارضون نهج “حزب الله” وحركة “أمل” التي لطالما دعت بلسان رئيسها نبيه بري إلى استكمال تطبيق الطائف من أجل العبور نحو الدولة المدنية.

أما على المقلب الآخر فيسعى طرفٌ الى إسقاط جمهورية الطائف لأسباب حزبية – طائفية يسانده في ذلك آخرٌ لأسباب شخصية – سلطوية.

“حزب الله” يرسم معادلة تصريف فائض القوة الذي يتمتع به عبر تحقيق مكاسب دستورية، بحيث يرى أن الوقت حان للتوسع سلطوياً وسياسياً ودستورياً عبر تعديلات دستورية أو الذهاب نحو بناء نظام سياسي جديد يعكس حجمه الطائفي والسياسي والعسكري، متناسياً أن لبنان الرسالة والوفاق الوطني لا يُحكم إلا توافقياً وتشاركياً بين مختلف المكونات الطائفية والمذهبية والسياسية، وأن هناك طوائف ومجموعات لبنانية ستقاوم المساس بما راكمته من مكتسبات عبر 30 عاماً مضت.

أما “التيار الوطني الحر” وعبر رئيسه ميشال عون الذي حارب الطائف حتى قبل إقراره واستكمالاً بمواجهة رجالاته وصولاً إلى فرض أعراف سياسية ودستورية خارجة عن سياق دستور الطائف، ولا يخفي وريثه السياسي جبران باسيل رغبته في الذهاب نحو تعديل الدستور أو تغييره، معتبراً أننا أمام أزمة نظام وليس أزمة حكم هو يخترعها ومن ثم يشكو منها، فيساند “حزب الله” في مشروع إسقاط الطائف اليوم ليس تباكياً على ما سُلب من المسيحيين من مكتسبات، بل طمع في الحصول على مكافأة رئاسية تجعله رئيساً لجمهورية “حزب الله” واضحة المعالم الشمولية والثيوقراطية، ولكن لا بأس فالأهم أن يصبح باسيل رئيساً لشيءٍ ما.

وعلى الرغم من ممارسات “حزب الله” الجامحة نحو تغيير النظام إلا أنه يحاذر طرح الموضوع لأنه لا يريد أن يظهر نفسه مسقطاً لجمهورية المناصفة بعد أن أسقط الاقتصاد ومفهومَيْ القانون والمؤسسات، فيوكل مهمة المطالبة بتغيير النظام إلى حلفائه الذين يطمعون بفتات سلطة متبقية.

وفي سياق متصل، تؤكد مصادر سياسية لـ “لبنان الكبير” أن “الفرنسيين الذين شاركوا على مضض في البيان الثلاثي السعودي – الأميركي – الفرنسي لناحية التأكيد على أهمية بقاء الطائف، يسعون مع حزب الله الى تعديلات دستورية تلبي طموحات الحزب لما لهم من مصالح إيرانية في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية عن إيران”.

إذا كان “حزب الله” يريد إسقاط جمهورية الطائف فهو يتطلع إلى أن البديل سيكون نظاماً سياسياً يعكس حجمه العسكري ويلبي طموحاته السياسية، يسانده في ذلك جبران باسيل من أجل حفنة من سلطة يتولاها سنوات معدودة ويعود بعدها مواطناً في جمهورية أقرب ما تكون إلى تلك القائمة في إيران التي لا تدرك غاياتها إلا فوق أنقاض دول وأنظمة، فهل يستحق القليل من سلطة فانية إسقاط الكثير من دور ورسالة باقية؟

شارك المقال