أسرار سجن “صيدنايا”.. من يدير “الثقب الأسود”؟

لبنان الكبير

يكثر ذكر سجن “صيدنايا” في الحديث حول انتهاكات النظام السوري في مراكز الاعتقال، لكنّ المعلومات عن طريقة إدارته ظلّت لسنوات تحمل تكهنات ومعلومات متضاربة من المعتقلين فيه سابقاً، من دون أي معلومات دقيقة تُذكر حول “الأسرار” الإدارية في هذا السجن.

هذا ما عملت “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا” على محاولة تغييره من خلال تقرير صدر اليوم الاثنين 3 تشرين الأول، كشف عن الهيكلية الإدارية للسجن، وتوصل إلى معلومات توّضح هوية العديد من الأشخاص المسؤولين بصورة مباشرة عن الانتهاكات.

حافظ النظام السوري خلال السنوات الماضية على سرية آلية عمل السجن، إذ اقتصرت مصادر المعلومات حول “صيدنايا” على رواية الناجين من المعتقل وهي الرواية الموحدة عن عمليات الاعدام وشكل حياة المعتقلين، بينما ظلّت طبيعة عمل السجان ومسؤوليات العاملين في السجن “ثقباً أسود”، حسبما قال مؤسس ومنسق “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، دياب سرية، لـ “عنب بلدي”.

“نرى السجن على خرائط غوغل، لكنّ ما وراء هذا المبنى مجهول”، وفق ما قاله سرية، مشيراً إلى رغبة العاملين في الرابطة بالوصول إلى نوعية العلاقات بين إدارة السجن وبقية أجهزة الدولة وهوية المتورطين بالانتهاكات.

من يعطي الأوامر؟ من يحدد منهجيات التعذيب؟ من يحدد حصة السجين من الطعام؟ ومن المسؤول المباشر عن الانتهاكات داخل السجن؟ أسئلة أجابت عنها الرابطة بعد بحث استمر لحوالي أربع سنوات، واستطاعت خلال عام 2021 الوصول إلى معلومات كافية توضح آلية عمل إدارة “صيدنايا”.

وحسب التقرير تبلغ مساحة السجن حوالي 1.4 كيلومتر مربع، بدأ النظام السوري العمل على إنشائه عام 1978، وأدخل المعتقل إلى “صيدنايا” 1987.

يقع السجن على تلة صغيرة عند بداية سهل صيدنايا، وهي بلدة جبلية تقع على بعد 30 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق.
ويتكون “صيدنايا” من بناءين: البناء الأحمر المعروف بـ”صيدنايا الأحمر” والبناء الجديد الأبيض.

ويضم السجن العديد من مستويات الحماية، أبرزها، حقلا ألغام، أحدهما داخلي مضاد للأفراد والآخر خارجي مضاد للدروع.

ويصنف المعتقلون بداخله إلى فئتين، الموقوفون الأمنيون وهم المدنيون المعتقلون على خلفية رأيهم ونشاطهم السياسي بسبب اتهامهم بالانتساب إلى منظمات “إرهابية”.

بينما تضم الفئة الأخرى الموقوفين القضائيين، وهم من العسكريين المحتجزين بسبب ارتكابهم جرائم جنائية، والفارين من الخدمة الإلزامية، وفق التقرير.

كما تضمن التقرير معلومات مفصلة حول الآلية المتبعة لحماية السجن والهيكلية الإدارية لسجن “صيدنايا” وعلاقاته التنظيمية، إذ يضم السجن 5 ضباط يشغلون منصب مدير السجن ومعاونه وضابط الأمن ومدير المبنى الأحمر بالإضافة إلى ضابط السرية الخارجية.

“كتالوغ صيدنايا”

توصل التقرير إلى الكثير من المعلومات حول ما يحدث وراء جدران “صيدنايا”، ما جعل الرابطة تطلق عليه اسم “كتالوغ صيدنايا”. وتحمّل المعلومات التي جاء بها التقرير المسؤولية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، من خلال شرح طريقة انتقال الأوامر داخل السجن وخارجه، حسبما قال سرية، معتبراً أن سلسلة الأوامر “هرم” على رأسه الأسد الذي يرسل الأوامر عبر المخابرات السورية.
وعملت الرابطة على إعداد التقرير استناداً إلى معلومات حصلت عليها من ستة أشخاص عملوا سابقاً في “صيدنايا” بمهام مختلفة، وصفهم سرية بـ”العمود الفقري للتقرير”.

وأوضح سرية لـ “عنب بلدي” أن قوة التقرير جاءت بسبب وجود هؤلاء، فعام من العمل للحصول على معلومة واحدة يمكن لواحد منهم اختصاره بساعة، وأبرزهم الشخص الذي رمز إليه التقرير بـ”25 ب”.

كما عملت على التقرير مجموعة من الناجين الذين اعتقلوا في “صيدنايا” جرّاء محاولة الانشقاق عن النظام السوري.

وكانت الرابطة نشرت جزءاً من التقرير في 15 أيلول الماضي بالتعاون مع وكالة “فرانس برس”، ذكرت فيه معلومات مفصلة عن آلية تعامل النظام مع الجثث في “صيدنايا”.

وحسب التقرير تنقل الجثث الناتجة عن الإعدام إلى مقابر جماعية بصورة مباشرة، في نجها والقطيفة وقطنا، استطاعت الرابطة تحديد مواقعها.

بينما تبقى جثث الأشخاص المقتولين تحت التعذيب أو بسبب عملية التجويع “الممنهج” وغياب الرعاية الطبية في “غرف الملح” المكان الذي يحفظ فيه العاملون في السجن الجثث من خلال وضع حوالي 20 – 30 سنتيمتراً على أرضيتها لمنع تحلل الجثث والتقليل من الروائح التي يمكن أن تصدر منها خلال فترة بقائها داخل السجن.

ومن “غرف الملح” تنقل الجثث إلى مستشفى “تشرين” العسكري لإصدار شهادة الوفاة، وفق ما قال سرية، مشيراً إلى أن “قيصر” دفع النظام الى التوقف عن تصوير الجثث في المستشفى ليكتفي بوصفها كتابيًاً

“المسلخ البشري”

سجن “صيدنايا” أحد أكبر السجون التابعة للنظام السوري، ويقع بالقرب من بلدة صيدنايا الجبلية، على بعد 30 كيلومتراً شمال غرب العاصمة دمشق.

ويُعرف السجن بـ”المسلخ البشري” و”مصنع الموت”، وغيرها من الأسماء التي أطلقتها تقارير دولية وكررها الناجون والناجيات في محاولة لوصف الانتهاكات المرتكبة بداخله.

ويتعرض المعتقلون في “صيدنايا” لعمليات تجويع وتعذيب ممنهجة إلى جانب حرمانهم من الدواء وجميع أشكال الرعية الطبية والنظافة الشخصية.

كما يقتل الآلاف في “صيدنايا” بإعدامات جماعية، وفق ما أكدته تقارير كثيرة أبرزها تقرير “منظمة العفو الدولية” الصادر في شباط 2017، الذي وثّق إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق حوالي 13 ألف معتقل معظمهم من المدنيين المعارضين، بين العامين 2011 و2015.

ولا يزال حوالي 154 ألفاً و398 شخصاً، بينهم 5161 طفلاً وعشرة آلاف و159 سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، منذ آذار 2011 وحتى آب 2022، حسب تقرير “الشبكة السورية لحقوق الانسان” الصادر في 30 من آب الماضي.

شارك المقال