جلسة أولى إنتخاب… تأكيد المؤكد!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

فجأة وبدون مقدمات، وبعد يومين من جلسة إقرار الموازنة العامة، أطلق الرئيس نبيه بري صفارة البدء بسباق الاستحقاق الرئاسي بتعيينه جلسة إنتخاب أولى على طريقته في إخراج “الأرانب” من الكُم من دون سابق إنذار أو توقع، بعد أن كان أعلن رداً على سؤال للنائبة بولا يعقوبيان في أولى جلسات الموازنة، أنه سيدعو الى جلسة الانتخاب عندما يلمس أن هناك نوعاً من التوافق لا الإجماع على إنتخاب الرئيس الجديد، واضعاً بذلك الجميع أمام مسؤولياتهم، ودافعاً بهم إلى كشف أوراقهم مُعَطِلاً مزايدات البعض ودافعاً عنه شخصياً تهمة المماطلة والتعطيل.

خرج الرئيس نبيه بري منتصراً وحيداً من هذه الجلسة – مؤدياً قسطه للعلى – التي أرادها بالتوقيت أيضاً قبل يومين من الرد المنتظر من الوسيط الأميركي في قضية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل آموس هوكشتاين، وكأنه أراد أن يذكِّر البعض بأن إستحقاق الرئاسة الذي يتحكم هو بمسار جلساته، لا يمكن فصله عن قضية الترسيم التي يتحكم بها – ولو من وراء الدولة – شريكه في الثنائي “حزب الله” وأمينه العام، لتأتي نتيجة الجلسة وتؤكد المؤكد أن الثنائي الشيعي – شئنا أم أبينا – هو المتحكم بمسار الأمور في البلد حتى ولو بالتعطيل كما أثبتت الأحداث طوال السنوات الماضية، وبالأخص مند أحداث 7 أيار 2008. فالـ 63 ورقة بيضاء التي تمثل قوى 8 آذار والحلفاء، أكدت مرة أخرى إستهتار هذه “العصابة الحاكمة” وإستخفافها بالشعب اللبناني ومصالحه، كما أكدت الـ 36 ورقة التي نالها ميشال معوض والتي تمثل بقايا قوى 14 آذار، تشتت هذه القوى وضعفها بفقدانها لمكون أساس في بنيتها هو المكون السني الذي كان يمثل رافعتها الحقيقية، كذلك الـ 11 ورقة التي نالها سليم إده والتي تمثل قوى التغيير أكدت مدى تخبط هذه القوى مثلها مثل الـ 12 ورقة “الاستعراضية” التي مثلت عموماً المكون السني التقليدي – إذا صح التعبير – في البرلمان وأكدت على “لا قرار” هذا المكون – حتى الآن على الأقل – بانتظار “تعليمة” ما ربما، في ظل تعليق الممثل الأقوى لهذا المكون نشاطه السياسي حتى إشعار آخر. وهكذا نرى أنه حتى على المستوى الطائفي، المسيحيون منقسمون ما بين “تيار عوني” و”قوات لبنانية” بشكل أساس والباقون يتوزعون ما بين مستقلين وتغييريين، كذلك السُنة يتوزعون ما بين 8 و14 آذار، وبين تقليديين وتغييريين، وحدهم الشيعة يشكلون كتلة طائفية وسياسية واحدة قادرة ولو بالتعطيل في أسوأ الظروف – بحجة الميثاقية – على أن تتحكم بمسار الأمور، يليها الدروز بقيادة وليد جنبلاط الذي هو على الرغم من تموضعه في الوسط، وتصويت كتلة “اللقاء الديموقراطي” في الجلسة الأولى لصالح ميشال معوض، وهو تصويت قد يكون لمجرد رفع العتب والحرَج، إلا أنه في المحصلة لا يمكن أن يخرج عن تحالفه شبه “المقدس” مع الرئيس نبيه بري، وهو ما يجعله كما كان دائماً “بيضة القبان” في أي إستحقاق إنتخابي، ويصب في النهاية – ولو من باب الواقعية السياسية – في خانة الثنائي الشيعي.

وهكذا ما بين إستهتار “العصابة الحاكمة” وتشتت المعارضة وتخبط التغييريين وضياع المكون السني الذي أراد تغطيته بـ “الاستعراض” عبر الانتخاب للبنان، سيبقى الوضع على ما هو عليه – ربما مع رفده بحكومة أمر واقع سواء مطعَّمة أو معوَّمة تولد في اللحظات الأخيرة – أقله حتى نهاية العهد والتثبيت النهائي لاتفاق الترسيم البحري الذي سيُظَهَّر وكأنه إنجاز للعهد وجائزة ترضية له من حليفه “حزب الله” كما كان التحرير بالنسبة الى إميل لحود، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من تطورات المنطقة، وأحداثها المتلاحقة من العراق إلى إيران، ومصير هدنة اليمن، كذلك الاتصالات ما بين أميركا وفرنسا والسعودية وطريقة سعيها الى تطبيق بيانها الأخير بخصوص لبنان. في الانتظار يبقى الشعب اللبناني غارقاً في العتمة يحاول تلمس طريقه وسط هذا الكم الهائل من المشكلات، وهو على أبواب الشتاء والمدارس حتى يقضي الله والدول الراعية – والمسؤولون عنه – أمراً كان مفعولا.

شارك المقال