النساء الايرانيات ضوء في ليل مظلم

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“النساء صانعات السلم والرجال صانعو الحرب”، هكذا يقال، فلا تغرنّكم قوة الرجال ولا سلطتهم السياسية والقانونية والاجتماعية والمالية، اذ أن النساء ذكيات يفهمن الأمور من الاشارة، وليس لديهن ما يخفن منه، لا سلطة ولا جاه ولا وراثة حكم، وغالباً ما يرثن المسؤوليات الجسام والتعب والقهر، وبعناد كبير يفتحن الطرق المسدودة أمامهن، كل ذلك وهن يدركن قيمة الحرية والحياة، وعندما يردن الانعتاق من الأسر، يفعلنها بجرأة ومن دون حسابات الربح والخسارة، بل من أجل كرامة الانسان وتطور المجتمع فقط.

لماذا يستغرب البعض نزول المرأة الايرانية الى الشارع وتحريك إنتفاضة شعبية ضد نظام السبي والقتل والتجويع؟ أليست هي الضحية الأولى لهذا النظام العفن ولثورة سمّيت “إسلامية” لتعيد الصراع السياسي الى الوراء آلاف السنين، ولترتكب بحق البشرية جريمة في التلطي خلف الدين لتسعير حروب مذهبية في المنطقة ترسي سلطة “الولي الفقيه” وديكتاتوريته من دون مساءلة أو حساب؟

لا شيء يدعو الى العجب في ثورة المرأة الايرانية، ولا في إشعالها إنتفاضة قد تطيح بالنظام، فهي تريد التخلص من المعاناة والعيش في مجتمع القهر والقمع والتمييز ضدها. لقد أدرك النظام الديني منذ البداية أن المرأة أساس المجتمع ومن أجل ذلك سنّ لها القوانين التي تكبّل حركتها، بدءاً من فرض التشادور، وصولاً إلى ربط حصولها على التعليم والوظيفة بالالتزام بالحجاب المفروض بالاكراه وليس النابع من خيار حر، بل هو أشبه بالقيد الذي يكبّل حريتها ولا يسمح لها بأن تكون كائناً إنسانياً طبيعياً متساوياً في الحقوق والواجبات لا قابعاً تحت سلطة التجهيل والظلم بعنوان أخلاقي أكل الدهر على مفاهيمه وشرب.

كثيرون يتساءلون من أين جاءت جرأة النساء الايرانيات في دفع الأمور نحو الثورة في كل المجتمع الذي إنتفض تضامناً مع مهسا أميني، حتى قيل في إعلام النظام ومؤيديه إنها مؤمراة غربية على النظام، وردد جهابذة المحللين الذين يدورون في العالم العربي لا سيما في لبنان، نظريات مضحكة، مثل تناولها حبة من السم في المركز الأمني لاشعال حالة فوضى؟ وهذه النظريات إن دلت على شيء، فهي تدل على مدى غباء ببغائية وتعليمات الأجهزة الأمنية التي أرادت إعادة تربية مهسا ورفيقاتها لسوء في اللباس المحتشم المفروض.

المرأة الايرانية تريد التحرر من الحجاب ومن النظام، وكل الفيديوهات يمكن لأي كان مشاهدتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لتلميذات في المدارس يخلعن الحجاب ويواجهن صور المرشد بتعبيرات لا تخدش حياء اللواتي يعانين من حكمه، بل تعبّر عن الغضب الدفين، وإرادتهن في التخلص من نظام الجمهورية الاسلامية، حتى وإن كانت شعارات حادة ومفاجئة لكنها تثلج القلب لكونها كسرت حواجز الخوف.

لقد أزالت المرأة الايرانية جدار الخوف في المجتمع، فها هي صور خامنئي وقاسم سليماني تحترق وها هم الشبان يحررون معتقلين في السجون، وها نحن نسمع لأول مرة بمناطق هنا وهناك في إيران تنتفض من أجل الحياة والكرامة وتعكس التنوع وتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية.

ليس هذا وحسب، لقد عرفنا من بعض التجارب أن المرأة تقود التحركات النسوية من أجل حقوقها، لكنها في التجربة الحديثة المرأة الإيرانية تقود المجتع نحو الثورة الشاملة، بيدها الحل والربط اليوم والواضح أنها لن تستسلم ففي كل يوم إبتكار جديد من نزع الحجاب وإحراقه، الى قص الشعر وحلقه، الى الرقص في الشوارع، إلى تعبيرات الأصابع بعلامة النصر وغيرها في وجه المرشد… إنه شلال غضب لا ينضب.

كانت النساء الايرانيات بالاضافة الى فرض نظام التشادور منذ الثورة الخمينية، محرومات من السفر بمفردهن والقرارات بشأن حياتهن مرتبطة بالسلطة الأبوية الذكورية، بينما هن يرغبن في تأكيد وجودهن، ولجأت كثيرات من الممثلات والفنانات والرياضيات والفتيات الى كسر الأغلال في الحب علّه ينقذهن، فهو أسلوب مقاومة وتعبير عن عدم الاستسلام والرغبة في التغيير.

بقبضات مرفوعة وشعر مكشوف أعطت النساء للعالم كله دروساً في مواجهة القمع العنيف للسلطة الديكتاتورية، ونلن احترام العالم عن إستحقاق، فهن يخاطرن بالموت في سبيل حقهن في الحرية، والانعتاق من السجن المفتوح بتصميم وقوة، سلاحهن في مواجهة هراوات الشرطة الأمنية والأخلاقية شعر مفرود وجدائل طويلة ورقصات وهتافات وقبضات مجنونة بحرية التعبير.

لقد كان مقتل مهسا أميني عاصفة في ليل مظلم كما وصفته إحدى الناشطات، مما طرح التساؤلات هل يمكن أن يقتل شخص لأنه يريد العيش كما يريد؟

ثورة النساء الايرانيات واعية وقد إتخذن قرار محاربة هذه الأيديولوجية الدينية، والنزول إلى الشوارع، على أمل أن تتغير حياتهن وتصبح أكثر إشراقاً.

لقد فعلتها المرأة الايرانية، فهل تتجرأ النساء اللبنانيات على مواجهة كل ما يدور حولهن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ويقدن المجتمع نحو الثورة أم يبقين في فلك الأحزاب العقائدية وطوائف السلطة الحاكمة؟ هل يخرجن الى الضوء ليقدن الاحتجاجات وهن أكثر من يعانين من تأثيرات الأزمات المتلاحقة في هذه البلاد علّ الشعب يخرج من بلاء العهد القوي وجهنم المقاومة وسلطة الجحيم؟

شارك المقال