هل يكون إنتخاب الرئيس بتوقيت ساعة “العبد”؟

زياد سامي عيتاني

تشخص أنظار اللبنانيين نحو “ساحة النجمة” في وسط بيروت، التي اختيرت لتحتضن في وسطها مقرّ المجلس النيابي، كي يعمل تبعاً لعقارب ساعة “العبد” المجاورة له، آملين (غير متفائلين) أن ينتخب نواب الأمة رئيساً للجمهورية، بتوقيت الساعة المذكورة، وليس وفقاً لاملاءات من خارج الحدود (!) عسى دقات تلك الساعة، تذكرهم بواجبهم الوطني والدستوري والأخلاقي.

فهل يحتذي النواب الحاليون حذو الرجالات والقامات الوطنية التي كان يزخر بها المجلس، بما كانوا يتمتعون به عبر عقود من الزمن من كفاءة وحكمة وحنكة، وضلوع وفقه في القانون وتشريعاته، فضلاً عن تحمّلهم لمسؤولياتهم الوطنية؟

بانتظار معرفة الجواب، على الرغم من كلّ الأجواء غير المشجعة، فإنّنا سنتناول في موقع “لبنان الكبير” الجوانب التاريخية والتأريخية لساحة “النجمة” ومقرّ المجلس وساحة “العبد”.

ساحة “النجمة”:

بعد الحرب العالمية الأولى، وضعت سلطة الانتداب الفرنسي مخططاً توجيهياً جديداً لوسط بيروت، عمدت من خلاله إلى شقّ طرقات جديدة وتوسعة أخرى، وفقاً لنموذج الحداثة والعصرنة، مع الحرص على مراعاة الهويّة العربية، وإن بأسلوب متطور. واستعانت لهذه الغاية بالمهندس البارون هوسمان الذي صمّم العاصمة الفرنسية باريس.

ومن بين تلك الشوارع ساحة “النجمة”، التي سُميت بهذه التسمية على غرار ساحة “النجمة” الباريسية، إذ تتفرّع عنها شوارع متساوية الزوايا وسداسية الاتجاهات بشكل النجمة.

وشُيّدت في ساحة “النجمة” مبانٍ حجرية شبيهة بمباني شارع “الريفولي” في فرنسا، مع الإصرار على التمسّك بطابع العمارة والهندسة العربية، فجاءت الأبنية الجديدة والتي لا تزال قائمة، لتنبئ بهذه الهويّة بما تحتويه من عقود، ومقرنصات، وقناطر، وأعمدة، وزخارف، إضافة إلى تزيين مداخل المباني بالبلاط وصفوف النوافذ والشرفات، ومن بين هذه المباني، مبنى مجلس النواب.

تصميم مبنى مجلس النواب:

كُلّف التركي من أصل أرمني مارديروس ألتونيان (1889 – 1958)، المولود في منطقة بورسا التركية (أو أرمينيا الغربية) بوضع تصاميم المجلس النيابي بين عامي 1933 و1934، وأنشأه على طراز عثماني مستحدث، واستعمل عناصر مستوحاة من فن العمارة في بنايات منطقة الشوف من حيث إستعمال النوافذ المزدوجة والقناطر المثلّثة فوق قوس على المدخل.

علماً أنه تقرّر نقل دوائر مجلس النواب من “السراي الصغير” إلى المكتبة الوطنية الجديدة في بناية البرلمان في ميدان “النجمة” صباح الأربعاء في 7/3/1934 وكُلّف الأستاذ سعد الدين خالد، بتنظيم وترتيب قاعة مجلس النواب في المكتبة، وذلك لأنّ متعهد بناء البرلمان أكّد أنّ البناء ينتهي في أوائل أيلول 1934.

اللافت، أنه قد جعل للبوابة العامّة لمبنى المجلس مدخلان: واحد للنواب وآخر للزوار، أما البناء من الداخل فاحتوى على ٧٥ مقعداً للنواب على أحدث طراز، إلّا أنّ عدد هذه المقاعد كان يتزايد، كلّما كان قانون الانتخابات يزيد من عدد النواب.

وكان البناء على شكل “الانفيتياتر”، وخصّصت للزوار ألواح في القسم الأعلى.

أما المبنى الجديد لمكاتب النواب الملاصق لمبنى البرلمان في ساحة “النجمة”، فقد صمّم عمارته ونفّذها المهندس نبيل فوزي عازار بين عامي 1994 و1997.

أولى الجلسات:

انطلقت جلسات المجلس النيابي في مبناه الجديد إعتباراً من العام 1934، بعد أن كانت تعقد في “السراي الصغير” في ساحة “البرج” وسط العاصمة بيروت، التي هُدمت ليبنى مكانها في وقت لاحق مبنى “الريفولي” الشهير و”الشهيد”.

وعن أول جلسة لمجلس النواب، نورد ما نقلته صحيفة “العواصف”: “إن وقائع مناقشة الجلسة الأولى في المبنى خُصّصت لمناقشة كارثة إنهيار مبنى (كوكب الشرق)، وطُلب من الحكومة الإسراع في التحقيق لتحديد المسؤولية وإعانة ذوي الضحايا”.

“وعقد المجلس في اليوم التالي جلسته الثانية وتُلي ردّ الحكومة على الأسئلة التي وُجّهت إليها في صدد كارثة الكوكب، إذ أنّه بعد النقاش في الموضوع، طلب الدكتور أيوب تابت تأجيل البحث ريثما ينتهي التحقيق الإداري والعدلي، فوافق الأعضاء على طلبه…” حسب صحيفة “العواصف”.

إنتقال المجلس إلى “قصر منصور”:

يذكر أنّ مكان إنعقاد جلسات المجلس النيابي واجتماعاته نقل إلى “قصر منصور” عقب اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، بعدما تحوّل وسط بيروت إلى مسرح يومي للأعمال العسكرية التي أدت إلى تدميره.

أما سبب إختيار “قصر منصور”، فلأنّه يقع بين منطقتي المتحف والبربير اللتين شكّلتا خطاً فاصلاً بين بيروت “الشرقية” و”الغربية”!.

وفي ما يخصّ تاريخ مكتبة المجلس النيابي، فنقلت بما تحويه من كتب ووثائق، تضمّنت دستور عام 1926، إلى “قصر منصور” عقب اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، ثمّ أعيدت بعد تلك الحقبة إلى ساحة “النجمة”، بحيث أن الاحصاءات أشارت إلى أنّ المكتبة فقدت كتباً ووثائق في غاية الأهمية نتيجة الدمار الذي شهده البلد ومؤسساته العامّة والخاصة خلال الحرب.

 

ساعة “العبد”:

وفي وسط ساحة “النجمة” تنتصب ساعة “العبد” التي صمّمها المهندس مارديروس ألتونيان، والتي بفضل براعته، فاز بالمرتبة الأولى في إمتحان أفضل تصميم لساعة “العبد”، التي قدمها المغترب الثري المكسيكي من أصل لبناني ميشال العبد وحملت اسمه.

ويبلغ ارتفاع برج الساعة نحو ١٥ متراً، بشكل مستطيل تزيّنه فتحات هواء، وتعلوه غرفة مغلقة تطلّ أيضاً على المدينة من الجهات الأربع.

وتشييد الساعة استفزّ الفنان والشاعر الساخر عمر الزعني فكتب قصيدة انتقادية، معترضاً من خلالها على تجاهل أزمات الناس، ومما جاء فيها:

وبآخر ساعه بعز المجاعه،

قاموا الجماعه نصبوا لنا ساعه،

يلعن هالساعه وهيديك الساعه،

كل يوم مصيبه وأمور عجيبه،

خلصنا من الكورنيش وقعنا بالساعه،

بدل ما توسع شويه وتتوسع،

كلما لها بتضيق من ساعه لساعه،

طارت البركه قلت الحركه،

ما ماشي إلا رقاص الساعه…

إذا كانت أولى جلسات مجلس النواب في مقره الخاص في ساحة “النجمة” قد خصصت حينها لمناقشة تداعيات إنهيار مقهى “كوكب الشرق”، فهل سيتمكن المجلس الحالي من إنتخاب رئيس إنقاذي، قادر على منع إنهيار لبنان كلياً؟

شارك المقال