تفاهم معراب 2 حقيقة أو وهم؟

جورج حايك
جورج حايك

تروّج بعض وسائل الاعلام من خلال إعلاميين مقربين من محور الممانعة لمعلومات عن تنسيق بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، وربما تجذب هذه الشائعات بعض المسيحيين وتدغدغ وجدانهم، إنطلاقاً من حلم “الوحدة المسيحية” على غرار “الوحدة الشيعية”، إلا أن هذا الأمر عار من الصحة جملة وتفصيلاً، والمقصود به إحداث بلبلة، والتأثير سلباً على المحاولات القائمة للجمع بين مكوّنات المعارضة واتفاقها على إسم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية.

لكن ليس سراً نبوح به أن رئيس “التيار” جبران باسيل حاول منذ فترة دقّ أبواب معراب من بوابة الديمان، محاولاً اقناع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بإطلاق مبادرة تهدف إلى لقاء تجمع فيه البطريركية المارونية الأقطاب الأكثر تمثيلاً مثل باسيل نفسه ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” سامي الجميّل، مع استبعاد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي ضعف تمثيله في الانتخابات النيابية الأخيرة. علماً أن البطريرك الراعي فعل ذلك قبيل استحقاق 2014 الذي لم يكتمل سوى عام 2016، بعدما جمع كلاً من الرئيس ميشال عون، فرنجية، جعجع والرئيس السابق أمين الجميل، وشكّل هذا اللقاء حينها “مرجعية” لم يكن من الممكن “تجاوزها” في الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً بعدما تسلح هؤلاء بـ”عباءة” بكركي في الدرجة الأساسيّة.

كان هدف باسيل من هذه المبادرة “تكرار” التجربة اليوم، فإنّه يطمح من خلال ذلك إلى “تكريس” شروطه، وبالتالي “قطع” الطريق على “مرشحي الصدفة”، كما يصفهم “العونيون”، فضلاً عن فرنجية الذي يرى أنّه لم يعد يلبّي “شروط التمثيل الشعبي”، وهو يعتقد أنه يملك “الأفضلية” على كل من جعجع والجميل، ولا سيما أنّ هناك “فيتو” واضحاً من “حزب الله” عليهما وخصوصاً جعجع. لكن ثمّة من يقول إنّ باسيل لا يسعى بالضرورة الى تكريس نفسه “رئيساً” بموجب مثل هذه المبادرة، طالما أنّ حظوظه غير مرتفعة، ولكن بالحد الأدنى، أن يكون “القرار” بيده، بعيداً عن التلطّي خلف أكثريات وأقليات، خلافاً لما فعله بنفسه في استحقاقات أخرى، كما في رئاستي البرلمان والحكومة.

لكن هذه المبادرة لم تلق حماسة من البطريرك الراعي الذي يعتبر أن التجربة السابقة كانت مخيّبة للآمال وخصوصاً معيار حصر إسم مرشحي الرئاسة بـ”الأقوى” والأكثر تمثيلاً. أما الأكثر رفضاً لهذه المبادرة فكانت “القوات اللبنانية” التي لا تقارب الاستحقاق الرئاسي من منطلقات مسيحية إنما من منطلقات وطنية، وهي تعتبر أن الأزمة اللبنانية ليست مسيحية إنما وطنية بإمتياز، وحلّها لا يمكن إلا أن يكون وطنياً.

كل الكلام عن عمليات تنسيق بين “القوات” و”التيار” هو كلام من نسج الخيال، فتجربة تفاهم معراب لم تكن مشجعة بتاتاً وانتهت بفشل عظيم، نتيجة انقلاب فريق عون – باسيل على التفاهم الذي أرادته “القوات” فرصة لإخراج عون من لعبة المحاور والعودة إلى الخط السيادي، إلا أن هذا الفريق ارتمى أكثر فأكثر في أحضان “حزب الله” مسلماً له البلد بالكامل. ولم يحترم باسيل توقيعه بما يخص التعيينات التي اتفق فيها على تقاسم المواقع المسيحية في المؤسسات الرسمية وفق آلية الأكثر كفاءة من الفريقين وحلفائهما، لكن النتيجة كانت استئثار باسيل بكل شيء والانحدار بأداء فاسد واجهته “القوات” حكومياً ونيابياً وخصوصاً في ملف الكهرباء الذي لا يزال “التيار” يتمادى في إدارته السيئة له.

“القوات” ليست مستعدة للمساومة وخوض المغامرات السياسية لأن وضع البلد لا يحتمل، وبالتالي ترى في الاستحقاق الرئاسي فرصة لإنقاذ لبنان من عزلته وانتشاله من براثن “الحزب” وإعادة الاعتبار الى الدستور والمؤسسات وكل مقوّمات الدولة الفعلية، فيما لا يأبه باسيل لأي شيء سوى لمصالحه وتحقيق المكاسب الشخصية وحرق كل ما يمر أمامه، وممارسة التعطيل، لإبقاء نفوذه في الحياة السياسية وخصوصاً مع اقتراب نهاية العهد.

لا تتوقف محاولات باسيل و”حزب الله” لجس نبض “القوات” بغية التوصّل إلى “تسوية” رئاسية، إلا أن أبواب معراب مقفلة أمامهما، وأولويتها اليوم هي التنسيق بين مكونات المعارضة حصراً بغية التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية سيادي واصلاحي. من هنا لا يمكنها أن تساوم على رئيس يريده محور الممانعة “توافقياً” أي رئيس يكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة الفساد والسلاح وتغطية “السماوات بالقبوات”، وهذا الرئيس “التوافقي” الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع، سيكون استمراراً للإنهيار القائم.

لقد بلغت “القوات” مرحلة متقدمة من التفاهم مع مكوّنات المعارضة على مواصفات الرئيس العتيد، أي رئيس يعيد الاعتبار إلى الدستور، وإلى علاقات لبنان الخارجية ولا يتأثر بوهج السلاح ولا يخضع للمنظومة، وأن يتجه إلى مواقف واضحة المعالم على المستوى الوطني.

ماذا لو أيّد “التيار الوطني الحر” مرشّح المعارضة؟ هذا سؤال جوهريّ. حتماً لن تنزعج معراب، علماً أن هذا الأمر شبه مستحيل، لأن باسيل لا يمكن أن يسبح خارج بحر “الممانعة”، فهي تحميه وهو يغطي سلاحها!.

إذاً الكلام عن “تفاهم معراب 2” ليس سوى وهم، بل أحلام من أحلام اليقظة لدى “التيار” و”الحزب”، لذلك تنشط وسائل اعلامهما في الترويج لمثل هذه الأمور لنسف جهود “القوات” الهادفة إلى توحيد مكوّنات المعارضة خلف المرشح ميشال معوض أو ربما أي إسم آخر قد يحظى بالإجماع في ما بينها.

شارك المقال