العراق: عودة الروح للاحتجاجات ضد الفساد وإيران

علي البغدادي

تمثل عودة الروح إلى الاحتجاجات الشعبية الداعية إلى اسقاط النظام والطبقة السياسية الفاسدة وطرد النفوذ والتغلغل الإيراني، استمراراً لثورة تشرين الأول (أكتوبر) 2019 التي استمرت شهوراً حتى اسقاط حكومة عادل عبد المهدي.

وبعد مرور عام على تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، طفح الكيل بمجموعات شبابية وحركات ثورية حشدت على مواقع التواصل الاجتماعي، لتظاهرات 25 أيار (مايو) التي رفعت شعار: “أنا الشهيد… من قتلني” احتجاجاً على اغتيال الناشطين واختطافهم على يد بعض الميليشيات المدعومة من إيران.

ويجسد اغتيال ايهاب الوزني، القيادي في احتجاجات مدينة كربلاء حالة استشراء تأثير تلك الميليشيات والدور الإيراني في العراق، الذي يسعى بشتى الطرق إلى إحكام قبضته على السلطة وقطع الطريق أمام أي إصلاح حقيقي، وتغيير واقعي على كافة نواحي الحياة التي تشهد تردياً واضحاً في الخدمات وتفشياً للفساد وهدر المال العام، إلى جانب إفلات قتلة المحتجين وهو ما كان دافعاً لإشعال الشارع من جديد نتيجة التراكمات والاغتيالات التي تهدد حياة المتظاهرين.

ويوجه المحتجون أصابع الاتهام إلى حكومة الكاظمي التي تولت المسؤولية في أيار (مايو) من العام الماضي، بالتقاعس عن الإيفاء بتعهداتها بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين والناشطين، وهو ملف حساس جداً خصوصاً أن الكاظمي لا يملك القوة الكافية لمحاسبة المتورطين لوقوف جهات نافذة خلفهم.

ويبدو أن المحتجين لجأوا إلى تكتيكات جديدة لتشتيت الجهد الأمني لحماية أنفسهم، إذ تشير إحصائيات المنظمات والناشطين إلى قتل 29 ناشطاً خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الماضي، إلى جانب محاولة اغتيال 30 آخرين، كما تفيد منظمة العفو الدولية بمقتل ما لا يقل عن 600 متظاهر وأفراد من قوات الأمن وإصابة أكثر من 18 ألفاً، في احتجاجات تشرين التي نجحت في الإطاحة بحكومة عادل عبدالمهدي.

وتعمل الميليشيات الموالية لإيران على “شيطنة” الاحتجاجات وتشويه أهدافها. فالمسؤول الامني لميليشيا “كتائب حزب الله في العراق” أبو علي العسكري اتهم احتجاجات الثلاثاء الماضي بالسعي إلى تمديد حكومة الكاظمي عن طريق تأجيل الانتخابات.

ويدل حديث “الكتائب” وهي أحد أبرز الجهات المقربة من إيران، ومحاولة زج الكاظمي بالوقوف وراء اذكاء الاحتجاجات، إلى التوتر الذي يشوب العلاقة بين الطرفين، خصوصاً في حال أخذت الاحتجاجات زخماً أكبر في الأيام المقبلة قد تصب في مصلحة المطالبين بتمديد عمل حكومة الكاظمي وبقائه على رأس الحكومة العراقية أو رئاسة حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة.

ومع أن الاحتجاجات ترفض استمرار الحكومة الحالية، أو السماح بإجراء انتخابات ما دام السلاح منفلتاً والاغتيالات مستمرة والتي ينسبها ناشطون إلى الميليشيات الإيرانية، إلا أن واقع الحال يشير إلى استمرار تعاظم نفوذ فصائل مسلحة تحظى بدعم إيران على المشهد السياسي.

وقد تسعى بعض الجهات السياسية إلى استثمار الاحتجاجات الشعبية لتمرير رسائل سياسية، بهدف الضغط على حكومة الكاظمي للحصول على مكاسب سياسية أو مناصب جديدة في حكومته، أو العمل على تأجيل الانتخابات المقبلة، لا سيما أن الحديث الدائر في كواليس الساسة يشير إلى وجود توجه لتأجيل الانتخابات من قبل بعض الجهات الحزبية التي تعتقد أنها لن تحقق مكاسب في الانتخابات المقبلة.

ومازال من غير المعروف مدى استمرارية الاحتجاجات بذات الزخم من عدمها، لأن خطط المحتجين وتكتيكاتهم تتغير بين فترة وأخرى، وتأخذ أشكالاً عدة، فضلاً عن أن قيادات الحراك الشعبي تهدف إلى مقاطعة الانتخابات، وبالتالي فإن زيادة زخم التظاهرات قد يزداد أكثر مع قرب موعد الانتخابات، ما يضع البلاد أمام مفترق طرق، واحتمالات التأجيل بديلاً عن الانخراط في صدام قد يكون دموياً.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً