ما بعد الترسيم: الفوائد الاقتصادية تستغرق سنوات لتتحقق

المحرر الاقتصادي

أما وقد اقترب لبنان من دخول نادي الدول النفطية، بدأت التساؤلات تطرح يميناً ويساراً عن مدى انعكاس اتفاق ترسيم الحدود البحرية المنوي توقيعه مع اسرائيل بوساطة أميركية، على الوضع الاقتصادي الراهن.

يبدو أن مسار التوصل الى اتفاق نهائي معبد وسهل، بحيث من المتوقع أن يوقع عليه قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.

ومن شأن التوقيع أن يفتح الباب أمام أعمال التنقيب في لبنان. وتعتزم شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية فور وضع اللمسات النهائية على الاتفاق. ويبحث مدير الشركة الفرنسية لوران فيفر الموجود في بيروت حالياً، مع المعنيين في الاجراءات المقبلة للبدء بالتنقيب.

يذكر أن لبنان كان وقّع في شباط من العام 2018 على عقد مع الكونسورتيوم النفطي بقيادة “توتال إنرجيز” الفرنسية والذي يضم إليها كلّاً من “إيني” الايطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين الرقم 4 و9 في مياهه الإقليمية. لكن “نوفاتيك” انسحبت في آب الماضي كنتيجة لما يحصل من تطورات في روسيا والعقوبات الدولية التي تفرض على مكوناتها.

صحيح أن الاتفاق يسمح ببدء التنقيب في البلوك رقم 9 – كون عمليات التنقيب التي جرت على البلوك رقم 4 في العام 2020 أظهرت أن الكميات الموجودة ليست تجارية – لكن الافادة الاقتصادية منه تتطلب سنوات كي تتحقق.

تقول وكالة “فيتش سولييوشن” في هذا الاطار، إن “اكتشافات الغاز ستنتج فوائد اقتصادية للبنان، أولاً من خلال جذب الاستثمار الأجنبي، ثم من خلال تعزيز الايرادات الحكومية اذا ما تم التأكد من أن الكميات ستكون تجارية”. وتضيف: “ولكن، حتى ولو كانت الكميات الموجودة تجارية، فلن يبدأ لبنان بالحصول على ايرادات مهمة قبل أن تبدأ مرحلة الانتاج. وهذه بالتأكيد عملية تستمر لسنوات، كون الانتاج يجب أن يسبقه مسار طويل يمر بمراحل عديدة، منها التنقيب، والتقويم وتطوير البنية التحتية المطلوبة. وهذا يتطلب وقتاً (أقله عشر سنوات وفق إدارة هيئة البترول في لبنان) لكي تنجز”.

وكان لوزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل تعليق على التوقيع المرتقب، فاعتبر أن هذه الخطوة، وعلى الرغم من أن ترجمتها المادية قد تحتاج إلى سنوات، إلاّ أنها تشّكل رافعة معنوية للنهوض، من حال الانهيار، ولاستعادة الثقة والبدء بعودة الاستثمار إلى لبنان.

أضاف: “صحيح أنها وضعت لبنان على خارطة الدول النفطية، وأن نتائجها الاقتصادية محسومة، لكن الصحيح أيضاً أن إدارة هذه الثروة بحكمة وشفافية هي صمام أمان النتائج المتوخاة منها، وعليه فإننا نأمل أن تنسحب وحدة الموقف اللبناني إزاء ملف الترسيم على الخطوات الاصلاحية الأقرب مدى، والتي وحدها القادرة في الظرف الراهن على انتشال الاقتصاد اللبناني والواقع المالي من تخبطه في أدق أزماته صعوبةً وتعقيداً”.

من جهتها، شددت مصادر مالية على مسألة استعادة الثقة المفقودة بلبنان واقتصاده، معربة عن أملها في أن يفتح الاتفاق الباب أمام الوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي يحصل لبنان بموجبه على 3 مليارات دولار يؤمل أن تأتي توازياً مع دعم دولي يمنح للبنان مما حصل عليه في مؤتمر “سيدر”.

وأملت المصادر في التوصل الى إقرار مشروع قانون لإنشاء صندوق الثروة السيادية وفق آلية تمنع الاستيلاء السياسي على هذه الثروة.

ونصت المادة الثالثة من قانون الموارد البحرية صراحة على أن العائدات المحصلة من الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية “تودع في صندوق سيادي”، وأن نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة، ووجهة استثمار العائدات وتوظيفها واستعمالهما تحدد بموجب قانون خاص استناداً الى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقاً لمعايير تضمن حقوق الدولة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل”.

وأوضحت المصادر أن هذا النوع من الصناديق من شأنه أن يعزز الاستدامة المالية للبنان، وأن يحد من تداعيات التقلبات الحادة في عمليات الانفاق. كما أنه يعزز الشفافية والرقابة في ما يتعلق بالايرادات التي تدخل من القطاع النفطي. لكن، بحسب المصادر، يجب أن يسبقه توافق سياسي على أهداف الصندوق وكيفية استثمار المبالغ المودعة فيه، وأن تواكبه رقابة صارمة تفرضها معايير شفافية عالية في إدارة الصندوق كي لا تُنهب الثروة.

شارك المقال