تكرار الخطأ مدعاة للخجل!

حسان الرفاعي

يبدو أنّ الرّئيس عون لم يقتنع بعد أنّه ليس بوسعه إحراج مجلس النّواب بتوجيهه رسائل تدعو المجلس صراحةً أو مواربةً لتفسير الدّستور.

فالفقرة 10 من المادّة 53 من الدّستور وإنْ نصّت أنّ لرئيس الجمهوريّة أنْ:

“يوجّه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النّواب”.

• فهي لا يمكن أن تكون أداة لتوجيه أسئلة للنواب بل وسيلة يلجأ إليها رئيس البلاد ليُعلمَ النّواب عن أمرٍ جلل وإلّا لما استعملت عبارة “عندما تقتضي الضرورة”

• وهذه الرّسائل لا يمكن أن تطلب من مجلس النّواب تفسير مادّة من الدّستور لأنّ الدّستور لا يفسّره مجلس النّواب إلّا عبر قوانين دستوريّة تعدّل النّص المبهم ويتطلّب اقرارها أكثريّة ثلثي أعضاء المجلس وتتم وفق الآليّات الّتي نصّ عنها الدّستور في مادّتيه 76 و 77.

على أرض الواقع صدّ المجلس النّيابي محاولتين منحرفتين لجرّه إلى تفسير الدّستور.

ففي المرّة الأولى في تشرين الأوّل 2019 حاولت الرّسالة الرّئاسيّة الطلب من مجلس النّواب تفسير المادّة 95 من الدّستور الّتي تنصّ على آليّة ومراحل إلغاء الطائفيّة السّياسيّة وعلى كيفيّة توزيع الوظائف وفق معايير الكفاءة والانتماء الطائفي وتصنيف الفئة الوظيفيّة.

وقتها كان رئيس الجمهوريّة يريد أن يحصل من مجلس النواب على تفسير يغطي بشكلٍ أو بآخر عدم مضيّه بالتعيينات لأنّ نتائج الخدمة المدنيّة أظهرت أن عدد المسلمين المقبولين يفوق عدد المسيحيين.

ولأنّ النّية الرّئاسيّة كانت بجرّ المجلس إلى نقاشات حول تفسير المادّة 95، ولأنّ تفسير المجلس لا قيمة له إن لم يأتِ بشكل قانون دستوري، ولأنّ فتح باب التفسير السياسي سيوصل إلى مناقشات طائفيّة فئويّة، فقد سارع نائب رئيس مجلس النّواب، عضو كتلة نواب لبنان القوي آنذاك الأستاذ إيلي الفرزلي، إلى بذل مساع لتأجيل تلاوة رسالة رئيس الجمهوريّة أمام المجلس وإلى طيّ الملف برمته مجنبًا رئيس الجمهوريّة أن يُخْذَلَ من قبل مجلس النّواب ومجنبًا المجلس نقاشات خارج الأطر الدّستوريّة… وهذا ما حصل.

أمّا الرّسالة الرّئاسيّة الّثانية في الشهر الحالي فكان هدفها دفع مجلس النّواب كي يحدّد رأيه حول صلاحيّة كلّ من رئيس الجمهوريّة والرّئيس المكلّف في عمليّة تأليف الحكومة وأن يدلي المجلس برأيه حول مهلة التكليف ومهلة التأليف وصولًا إلى سحب التكليف من الرّئيس الحريري.

ولأنّ رئيس الجمهوريّة ألحّ على المضيّ بتوجيه رسالته ولأنّه رفض نصيحة الرّئيس برّي بالعدول عنها أتى رد الهيئة العامّة للمجلس عبر التوصية الّتي صدّت رئيس الجمهوريّة في مبتغاه ووقفت حائلًا دون جرّ مجلس النّواب إلى الخروج عن دوره وصلاحيّاته وجنّبته معركة بين النّواب لا طائل منها. وقد تضمنت التوصية الآتية:

“… وباعتبار أن أيّ موقف يطال هذا التكليف وحدوده (أيّ تكليف الرّئيس الحريري) يتطلّب تعديلًا دستوريًّا ولسنا بصدده اليوم. ولأنّ مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح إلى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى. ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزماتٍ ميثاقيّةٍ ودستوريّةٍ جديدة، وحرصًا على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا تستوجب إعطاء الأولويّة لعمل المؤسسات.

يؤكد المجلس ضرورة المضيّ قدمًا وفق الأصول الدّستوريّة من قبل رئيس الحكومة المكلّف للوصول سريعًا إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئیس الجمهورية”.

 

فعلًا، كم أصاب الأستاذ أنطوان مسرّة، عضو المجلس الدّستوري السابق، حينما علّق على التّصرفات الرّئاسيّة في صحيفة النهار فرأى أنّ رئيس الجمهوريّة بحاجة لـ”اخضاعه للجنة فاحصة للتأكّد من فهمه التّام لما حلف اليمين بشأنه”.

مضيفًا: “قمّة المخادَعة imposture مطالبة مَنْ حلف اليمين على الدّستور بتفسير الدّستور”.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً