اتفاق الترسيم… نقاط تحتاج توضيحاً وفضل كبير لروسيا

محمد شمس الدين

نشر اتفاق ترسيم الحدود في إعلام العدو الاسرائيلي، فترجمه الاعلام اللبناني ونشره، ومنذ تلك اللحظة تحول اللبنانيون جميعاً إلى خبراء طوبوغرافيا وهيدروغرافيا، وخبراء نفط وغاز، ومحامين في القانون الدولي وقانون البحار، من سياسيين وإعلاميين وجمهور، الكل بدأ بإعطاء تحليل للاتفاق بعد دقائق من نشره، ولكن ماذا يقول الخبراء عن النص المسرّب من الوثيقة؟

رأى الخبير والمستشار في الشؤون النفطية المهندس ربيع ياغي في حديث لموقع “لبنان الكبير، أن “لا أحد في الاتفاقية أو بالأحرى التسوية كما يفضل تسميتها، كان فائزاً أو خاسراً، لا لبنان ولا اسرائيل”، لافتاً الى أن “لبنان استرد حقوقه بالخط 23، الذي هو المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولكن هناك نقطة مبهمة في الاتفاق، تتعلق بعدم وضوح نقطة البداية، (أقصى نقطة شرق الخط) أين هي هذه النقطة؟ هل هي في المياه الاقليمية الدولية، أو بدايات المياه الاقتصادية الخالصة؟ وكم تبعد عن البر؟ 5، 6، 10 أميال؟ المفترض أنه عند وضع الإحداثيات، يجب تحديد بعدها عن النقطة B1 تحديداً”.

أضاف ياغي: “على الرغم من أن هذا الاتفاق يعطي لبنان فرصة المباشرة بعمليات التنقيب والاستكشاف في البلوك رقم 9، إلا أنه لا بد من السؤال عما يسمى حقل قانا، فعادة في الحقل النفطي يكون اكتشف بئران أو ثلاثة آبار تجارية، جمع هذه الآبار في منطقة متقاربة، يسمى حقلاً، لا أعرف كيف سميت المساحة التي حصل عليها لبنان بحقل قانا وهي لم يحصل فيها الاستكشاف، لذلك يمكن القول إن حقل قانا هذا وهمي افتراضي إلى حين اكتشاف آبار غازية تجارية فيه، عدا عن أن من الممكن أن يمتد إلى جنوب الخط 23، ومهما حاولنا تلطيف المصطلحات، كل ما هو جنوب الخط سيكون من حصة الدولة العبرية”.

وهناك تساؤلات عدة عن توزيع الثروات برأي ياغي، فقد تكون هناك احتياطات غازية مشتركة في مناطق عدة، مثل البلوك رقم 8، متسائلاً: كيف سيتم توزيعها؟. وقال: “عادة ما يتم الاتفاق بين الشركات الموكلة التنقيب والاستخراج على طرفي الخط، ولكن بما أن توتال هي المشغل الوحيد في هذه المنطقة يجب التساؤل كيف ستقسم الثروات، هذا يعني أنه في حال كان هناك امتداد لبئر ما في البلوك رقم 8 جنوب الحدود المرسمة باتجاه فلسطين المحتلة، توتال ستعطي اسرائيل حصتها من هذا الحقل، ولكن من سيدفع ثمن التنقيب والاستخراج في هذه الحالة؟ فتوتال ليست كاريتاس، وهي بالطبع ستخصم الأكلاف أولاً وكل ما بعدها هو ربح يتم تقسيمه، ووفق نص الاتفاق المسرب، يبدو أن الكلفة ستكون على لبنان”.

قد يضخ الغاز إلى أوروبا المتعطشة له، لكن ياغي قلل من تأثير الاتفاق، حتى لو بدأ الانتاج، على ميزان الطاقة العالمي، مؤكداً أن “مجموع الغاز القابل للاستخراج في شرق حوض المتوسط كله لا يمكنه أن يكون ولو بديلاً بسيطاً عن الغاز الروسي، فالتقديرات أن هذه المنطقة، أي غزة، الكيان الصهيوني، لبنان، سوريا وجزء من قبرص، تحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز، ولو تم التنقيب واستخراج هذه الكمية كلها، فلن تستطيع تعويض الغاز الروسي”.

أما مدير مركز معلومات ودراسات الطاقة في لندن، الخبير الاقتصادي مصطفى البزركان، فأشار في اتصال مع “لبنان الكبير” الى أن “النفط والغاز ومصادر الطاقة الأحفورية يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، اذ يمكن أن تكون سبباً في نشوب حروب على مصادر الطاقة، ويمكن أن تكون سبباً في إنهاء الحروب والنزاعات بين بلدين أو بلدان من خلال إدراك المصالح الاقتصادية والفوائد التي تجنيها الدول من استثمار مشترك للثروات النفطية والغازية. وخير مثال على ذلك الاتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل (وصف كحل دائم ومنصف للنزاع البحري) والذي يستند إلى استثمار المكامن الغازية ضمن الحدود البحرية بينهما”.

وفي تحليل للاتفاق، قال البزركان: “هنالك نقطة مهمة تطرق اليها الاتفاق وهي أنه لا يتضمن أي تأثير على الحدود البرية (من دون المساس بالحدود البرية) حتى يحين موعد ترسيم الحدود البرية بين الطرفين. كما سيودع الاتفاق لدى الأمم المتحدة مما يضفي عليه التزاماً دولياً لتنفيذه. واشترط الاتفاق أيضاً عدم جواز تقديم أي من الطرفين أي مذكرة تتضمن خرائط تتعارض مع الاتفاق. كما يشير إلى اجتماع مشترك سيعقد في الناقورة بين لبنان واسرائيل باستضافة موظفي الأمم المتحدة وتيسير الولايات المتحدة، وهذه خطوة من خطوات تنفيذ الاتفاق. وجاء أحدث تصريح حوله على لسان أنتوني بلينكن بقوله: الاتفاق يفتح آفاق التطوير السلمي لمجالات الطاقة، وذلك يجعل الاتفاق بداية لتعاون إقليمي في مجال الطاقة، كما وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ في حال موافقة الطرفين لتبدأ مرحلة تنفيذ هدف الاتفاق في التنقيب عن مكامن الغاز في المياه اللبنانية والمياه الاسرائيلية بشرط ضمان سلامة التشغيل وحماية البيئة. واشترط الاتفاق أن تكون الشركات ذات سمعة دولية وغير خاضعة لعقوبات دولية على أن لا تكون لبنانية أو اسرائيلية، هذه الفقرة تظهر أن حل النزاع وموافقة الطرفين عليه جاء بفضل جهود شركات نفط وغاز دولية ودعم بعض الدول التي تنتمي اليها هذه الشركات. كما يلاحظ أن الاتفاق اشترط على الشركة المشغلة في البلوك رقم 9 عقد اتفاقية مالية لتعويض اسرائيل لقاء حقوق عائدة لها في حال اكتشاف كميات من المخزونات الهيدروكربونية في البلوك. ولم يتضمن الاتفاق تعويض لبنان عن مناطق أخرى، واشترط على أن لبنان لن يكون مسؤولاً عن المشغل للبلوك رقم 9. ويتضمن الاتفاق دوراً أميركيا رئيساً في حل الخلافات التي قد تنشأ”.

ولفت البزركان الى أن “الظروف الجيوسياسية التي تشهدها أوروبا والحاجة الى الغاز للتعويض عن الغاز والنفط الروسي الذي فرضت استراتيجية جديدة ( فرضت أميركياً ولم تكن على طاولة النقاش الأوروبي قبل حرب أوكرانيا) إنهاء الاعتماد عليه ساهم في تسريع الاتفاق وازاحة التحديات الداخلية (في لبنان واسرائيل) والاقليمية التي كانت تعترضه. وقد يكون الاتفاق خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى لتخطيط وترسيم الحدود البحرية والبرية بين اسرائيل ودول أخرى في المنطقة”.

شارك المقال