يوم اغتيل سرّ الرفيق… ووسام الأمن

آية المصري
آية المصري

“رجُل المهمات الصعبة، سرّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ركن كبير من أركان الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان، الصادق، المحب والمخلص لعائلة الحريري”، كل هذه العبارات لوصف وسام قوى الأمن الداخلي ووسام مدير مكتب الرئيس الشهيد، اللواء الشهيد وسام الحسن.

19 تشرين الأول 2012، اليوم المشؤوم الذي عاشه اللبنانيون عموماً وآل الحريري خصوصاً، يوم إغتيال أكثر الشخصيات التي شهدها لبنان حنكةً وذكاءً. اهتزازات أمنية واجتماعية وروحية عاشها كل لبناني شريف، فرئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي كشف الخلايا الارهابية ومخططات التفجير وخلايا التجسس الاسرائيلي اغتيل بعملية وحشية نفذت على يد جماعة لا تعرف الدين ولا تعترف بدولتنا ولا تخاف الله.

مدير مكتب الرئيس الشهيد، وكاتم أسراره وسند ظهر نجله الرئيس سعد الحريري، من كشف المستور في عملية إغتيال الرفيق، ومن قال الحقيقة ورفعها وساماً على صدره، من حقق في الكثير من المسائل والقضايا السياسية بمهارة ودقة، ومن كان أوفى الأوفياء لرفيقه ولم يتركه وحده، من عايش الزمن الجميل مع الرفيق ومن كان اليد اليُمنى لأهم شخصية حكمت من أجل تأسيس البلد وبنائه.

بعد عشر سنوات على إغتياله، كان لا بد من العودة الى هذا اليوم المشؤوم ومعرفة ما حدث، وكيف تلقى محبوه وأصدقاؤه هذا الخبر.

درباس: “كسرو ظهر” الحريري

الوزير السابق رشيد درباس كشف للمرة الأولى الاتصال الذي جرى بينه وبين الرئيس سعد الحريري بعد إغتيال الحسن، وقال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “اتصلت لتعزية دولة الرئيس يومها وقال لي جملة واحدة (كسرولي ظهري)، وهذه الجملة كانت نتيجة كفاءة وسام الحسن الكبرى بكونه بيت أسرار الشهيد رفيق الحريري، فهو من إستطاع فهم الرفيق وأن يكون وسيلته للوصول الى الجميع ولتحقيق الكثير من القضايا السياسية بمهارة وأمانة وإخلاص. كما كان مؤثراً جداً في محيط الرئيس الشهيد، وبعد وفاته اعتبره الرئيس سعد عموده الفقري. وسام الهادئ والعميق والذي لا تعنيه قشور المناصب والألقاب ونرجسيتها”.

وأشار الى أن “اغتيال الرائد وسام عيد واللواء الحسن هو استمرار لمسلسل الاغتيالات الذي بدأ مع رفيق الحريري ومحاولة اغتيال مروان حمادة، وتبعت ذلك سلسلة من الاغتيالات لنواب وشخصيات مثل محمد شطح، جبران تويني، سمير قصير ووليد عيدو… الذين كانوا يشكلون ازعاجاً مستمراً لسلطة الهيمنة”، مؤكداً “أننا مع اغتيال وسام الحسن لم نفقد عقلاً أمنياً وحسب، بل دور سياسي كبير، فهم خلقوا فجوة سياسية بإغتياله، والمحزن أنه قال لي يوماً بأنه كان ينبه الضابط وسام عيد كثيراً ويقول له ممنوع أن تتساهل في أمنك وتظهر بصورة علنية وعليك أن تكون حريصاً ومتخفياً، وبعد اغتيال عيد كان قدر وسام الحسن اللحاق به”.

ولفت درباس الى أن “وسام الحسن عمل على نفسه كثيراً والى أبعد الدرجات وكان موضع ثقة كل دول العالم الصديقة من خلال قدرته على تنظيم جهاز أمني ناجح، وكان يُعرف بواسطة الشبكة التي نشرها في كل لبنان وخصوصاً بقدراته الفنية التي استطاع من خلالها كشف الخلايا الارهابية ومخططات التفجير وخلايا التجسس الاسرائيلي اضافة الى دوره الأساس الذي لعبه في قضية إغتيال الرئيس الشهيد، وللأسف تسجل هذه الاغتيالات دائماً ضد مجهول او ضد إسرائيل”.

الحجار: تلقيت ثلاث صدمات متتالية

اما النائب السابق محمد الحجار فروى كيف تلقى خبر اغتيال وسام الحسن، قائلاً: “قبل عشرة ايام على إغتياله توفى والدي، وقبل تلقي خبر وفاة والدتي في اليوم نفسه تلقيت خبر اغتياله وسرعان ما غادرت المستشفى متوجهاً الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والتقيت باللواء أشرف ريفي ونهاد المشنوق للتأكد من الخبر، بحيث كانوا مصدومين وتائهين. وسألتهم عن حقيقة ما جرى، وكان جوابهم لا شيء قاطع حتى اللحظة لكن كل الأدلة تشير الى استهداف وسام الحسن واغتياله. وعند عودتي الى المستشفى وبعد التأكد من وفاته تلقيت خبر وفاة والدتي بعد ساعة، وبالتالي عايشت ثلاث صدمات متتالية”.

أضاف الحجار: “تعرفت الى اللواء الحسن عندما كان برتبة رائد ويشغل منصب مدير مكتب الرئيس رفيق الحريري، كان انساناً خير مثال على تحمل المسؤوليات، والجميع يعلم ماذا يعني أن تكون مدير مكتب الرئيس الشهيد في ذاك الوقت. كان منضبطاً، طيب القلب، كتوماً الى أبعد الحدود، رجُلاً مسؤولاً بكل ما للكلمة من معنى وخصوصاً في ظل كم المعلومات التي حملها وبخطورة بعضها”. وأكد أنه “لم يكن انساناً عادياً، أو مديراً إدارياً أو تنفيذياً بل مدير مكتب لشخص إستثنائي في تاريخ هذه الأمة وليس في تاريخ هذا البلد وحسب، كان مؤتمناً على أسرار وأفعال وشاهداً على أمور كثيرة حصلت يومها مع الرئيس رفيق الحريري”.

وأوضح الحجار أنه “عند طلب أي شيء من الشهيد وسام الحسن لم يكن قاطعاً بالاجابة بل متحفظ دائماً، وكانت إجابته (منشوف) ولكن لا يقول الموضوع عندي، وكل هذا دليل على صدقه وعدم تهربه من المسؤولية، وعندما كنا نعجز عن الوصول مباشرةً الى الرئيس رفيق كنا نتجه إليه”.

قباني: رصاصة في القلب

ووصف النائب السابق محمد قباني خبر الاغتيال بأنه “كان أليماً علينا، نحن الذين عرفناه وأحببناه، وكان الخبر بمثابة رصاصة في القلب”، مستذكراً “طلب مني يوماً عندما كنت برفقة الرئيس سعد الحريري أن يستخدم مبنى كنا نملكه بجوار الثكنة التي تحمل إسمه اليوم، بحيث كان يريد إستخدام سطح المبنى لكي يحمي الثكنة من أي هجوم مُحتمل من احدى الميلشيات، وقلت له يومها دعني أتأكد من أنهم لم يبدأوا بهدم البناء، وعندما تأكدت أجبته بأنني سأحضر المفاتيح فكان رده (ما في ضرورة للمفاتيح نحن نستطيع الدخول)، وبالفعل دخل الى المبنى واستخدم السطح لحماية مقر قيادة قوى الأمن الداخلي”.

وشدد قباني على أن “وسام الحسن كان ضابطاً مميزاً في قوى الأمن الداخلي، وقيادياً في وسطه وبالتالي هو أحد نجوم قوى الأمن الداخلي، بحيث كان أنيقاً في مظهره وفي أخلاقه وتصرفاته بمعنى أنه لم يكن يحب التحدي ولم يكن يتصرف على أساس أنه مميز عن الآخرين على الرغم من أنه كان فعلاً مميزاً عن غيره”.

كم نفتقد في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها البلد رجل المهمات والمسؤوليات الصعبة، وكم نحتاج الى أمثاله وأمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لروحك وروح رفيقك وشهدائنا السلام…

شارك المقال