عقدة صلاحيات الرئيس… ركمجة على هواجس المسيحيين

محمد شمس الدين

منذ الانفجار الكبير عام 2005 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يشهد البلد لحظة هدوء على صعيد نظامه، أصوات عالية تدعو الى تغيير في النظام تصدح منذ 17 عاماً، وهي أصوات القيادات المسيحية التي عادت إلى الساحة اللبنانية بعد خروج النفوذ السوري من البلد، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”. فمنذ عودتهما إلى الساحة السياسية كان واضحاً أن لديهما مشكلة مع نظام الطائف، الذي نزع صلاحيات المفوض السامي من الرئاسة الأولى ووزعها، وثبت أن نظام لبنان برلماني، وليس رئاسياً، بل كان يمكن تسميته بنظام ملكي مقنع. اهتدى حزب “القوات” لاحقاً وأصبح مقتنعاً بالطائف ومحاضراً بالحفاظ عليه، على الأقل في العلن، ولكن التيار يهاجم دوماً عدم امتلاك رئيس الجمهورية صلاحيات، ويسعى إلى فرض مؤتمر تأسيسي على البلد، يفضي إلى عقد اجتماعي جديد، يعدل اتفاق الطائف أو يلغيه.

ثبت اتفاق الطائف أن النظام اللبناني هو نظام برلماني، منطلقاً من أن الشعب مصدر السلطات، وهذا يعني أن الحكم فعلياً في البلد بيد الحكومة، ويكون رئيسها مسؤولاً أمام الرقابة، أي البرلمان، وتطرح الثقة بحكومته وهو وحده يتحمل مسؤوليتها. وفي النظام البرلماني، يكون لرئيس الجمهورية دور تكملة السلطة، وله صلاحيات معينة أولها الحفاظ على الدستور، فمثلاً عند تشكيل الحكومة، يحرص على أن لا تتعارض عملية التشكيل مع النصوص الدستورية، وكذلك يدرس ملفات الوزراء من منطلق تقني فقط لا طائفي ولا محاصصاتي، وعندما يحل موعد الاستحقاق الحكومي، يكون له الدور في إطلاق المشاورات النيابية.

هدف الطائف كان الوصول بالبلد إلى الدولة المدنية، وهذا يعني عدم ربط كرسي بطائفة معينة، أي أنه ليس بالضرورة أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً، وبالتالي لا معنى لاعتبار مركز أهم من مركز في التقسيم الطائفي، ولا يهم فعلياً من يملك الصلاحيات الأكبر، طالما أن الأمر ليس مرتبطاً بطائفة الموقع، إلا أن القيادات المسيحية، حتى عند توقيع الاتفاق، رفضته، وأعلنت تمردها عليه، مما تسبب لاحقاً بعزلها من السلطة. وبغياب قيادات الطائفة، لم يكن هناك إمكان لتنفيذ الطائف، بسبب رفض مكون أساس، تمثل أولاً في قيادة البطريرك نصر الله بطرس صفير، الذي استطاع فرض توازن حتى في ظل الوصاية السورية، ثم لاحقاً “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، تحت ذرائع عديدة، أولها اختلال موازين القوى على الأرض، كون الطائفة الشيعية تملك سلاحاً، وثانياً الفرق الكبير في العدد بين المسلمين والمسيحيين، اذ اعتبرت القيادات المسيحية أنها لن تستطيع إيصال ممثليها إلى السلطة في ظل غلبة ثلثين للمسلمين مقابل ثلث للمسيحيين.

لهذه الأسباب، يحاول الثنائي المسيحي فرض لامركزية إدارية ومالية، وهذا لم ينص عليه اتفاق الطائف، كونه أشبه بالفيدرالية، بل هو نوع منها. في المقابل رأت الدولة الفرنسية منذ انفجار الأزمة مجدداً عام 2005 أن الحل هو بإعطاء كل مكون لبناني، سلطة على قدر حجمه، أي إعادة توزيع السلطة وفق المثالثة، وحاولت فعلاً طرح هذا الأمر في مؤتمر سان كلو عام 2007، إلا أنه ما زال إلى اليوم لا يلقى تجاوباً من غالبية القوى اللبنانية. من جهة أخرى ترفض القوى المسيحية اللبنانية أي قانون انتخابي على أساس دوائر موسعة، إن كان لبنان دائرة واحدة، أو كل محافظة دائرة، خوفاً من الغلبة العددية.

هواجس المسيحيين قد تكون صحيحة في بداية الأمر، فأول دورة نيابية لقانون انتخابي ذي دوائر موسعة، قد يكون عنوانها الغلبة العددية، ولكن بالتأكيد في الدورة الثانية سيبدأ الخرق غير الطائفي، ومن بعدها تبدأ كرة الثلج بالانحدار نحو الاصطفاف المدني المبني على برامج العمل وليس الطائفة، وتكون مروحة خيارات المواطن أكبر، وبالطبع ستتغير عقلية اختيار ممثليه في السلطة.

إلا أن هذا الأمر سيسقط كل القوى السياسية التي تعتمد على الطائفية للوصول إلى السلطة، وبالتالي هذا لا يناسب الثنائي المسيحي الذي يلعب لعبة حقوق المسيحيين، والترهيب من الآخر، وستكون الغلبة فعلياً لأصحاب الفكر والخطط التي تدغدغ أحلام المواطن، ولذلك الأمر ليس متعلقاً بخوف من غلبة عددية، بل من سقوط المركمجين على هواجس المسيحيين، الذين لن يقبلوا بقيادات همها الوحيد حصتها الطائفية، بدل بناء الدولة الراعية. وفي هذه الحالة لن تهم صلاحيات أي موقع، طالما أن “البلد ماشي”.

شارك المقال