رسالة نقشها الحرّاس

مارون مارون

عبر التاريخ القديم والحديث، كانت لصخور نهر الكلب هيبتها ودَورها في رسم معالم حقبات، وتظهير محطات في شريط أحداث لبنان الطويل، آخرها حين تحوّلت إلى نقطة فاصلة، ومعبر رئيسي في حرب الإلغاء، وبعدها حين تم رفع حائط رمزيّ عند الأنفاق خلال ثورة ١٧ تشرين، هذا عدا عن احتضانها لوحات الجلاء والتحرير والثورة، إضافة إلى ما جرى الأسبوع الفائت خلال مسرحية إعادة انتخاب بشّار الأسد رئيساً للنظام السوري، بحيث حاولت سفارة النظام في بيروت استجماع كل قواها، للقيام بعملية استعراضية، من خلال قوافل وباصات تُقلّ مؤيدين للأسد، ترفع أعلام النظام وصور الأسد الأب والإبن، ومُكبّرات صوت تبث أناشيد بعثية، لتخترق فيها ساحل كسروان والمتنين وصولاً إلى الحازمية، مع ما رافق ذلك من استفزازات وتعديات على المواطنين، إضافة إلى زحمة سير خانقة، في مشهد تعمّد فيه النظام السوري أن يتخطّى الحدود اللبنانية، ليقول للمحيط العربي والدولي، أنه لا زال قادراً على إخضاع لبنان، وبإمكانه العودة إليه وضبطه، وهو الموجود أساساً من خلال مؤيديه وأتباعه وحلفائه، وأن أية مفاوضات، عليها أن تأخذ هذا المعطى بالاعتبار، أي أن الأسد هو الأحقّ في الحصول على جائزة ترضية كونه أزال همّ النازحين عن صدر المجتمع الدولي وتحديداً عن صدر أوروبا.

إلا أن حساب الحقل، لم يطابق حساب البيدر، بحيث ثار أهالي الشهداء الذين سقطوا على أيدي جيش النظام، وحتماً الى جانبهم أهالي وعائلات المعتقلين والمفقودين في زنزاناته، مانعين النازحين من الدوس على كراماتهم من خلال رفع صور مَن ألبس غالبية الشعب اللبناني ثياب سوداء، وأبكى معظم العائلات، وارتكب المجازر والموبقات.

وبذلك تم إفشال ما خَطّط له الأسد، من محاولة إظهار لبنان أنه خاضع لنفوذه وتحت إمرته، بل على العكس فقد ثبت للعالم أجمع، أن في هذا الوطن الصغير، قوافل شهداء كبيرة سقطت على مساحة الوطن، وأنسباء هذه الدماء يرفضون العبث بمصير لبنان، هذا عدا عن إرادة شعب ترفض الخضوع، هذه الإرادة تمثّلت برسالة كتبها شبانٌ أوفياء بحبر الكرامة والعنفوان، توجّهوا فيها للأبطال الذين غابوا لأجل لبنان للقول لهم: “سنحفظ وطن الأرز برمش العين ودمعها، فلا تخافوا على وطن نذرتم ذاتكم على مذبحه، هذا الوطن الذي لأجله نحيا ومن أجله نموت”.

باختصار، فإن رسالة الأسد التي سخّر لها كل قواه لإنجاحها، قد سقطت، تحت أقدام أبناء القضية، في مياه النهر الجارفة إلى أمواج البحر العاتية، فيما نجح هؤلاء الأوفياء بنقش رسالتهم الجليّة فوق صخور نهر الكلب الأبيّة، وهي عبارة بألف كلمة، جاء فيها: “ما بينعسوا الحرّاس”… والسلام.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً