ما بعد الترسيم: انتخاب الرئيس وانخفاض الدولار

عاصم عبد الرحمن

اتفاق 17 أيار آخر، إعلان السلام بين اللبنانيين والإسرائيليين، اعتراف لبنان و”حزب الله” بإسرائيل، سقوط شعار العداء مع الكيان الصهيوني وغيرها من التسميات التي تعددت تحت شعار ما خفي من الاتفاق أعظم لتبقى النتيجة واحدة “ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي” وتُفتتح صفحة جديدة في الواقع اللبناني، فأي مرحلة سياسية واقتصادية سيشهدها لبنان ما بعد اتفاق الترسيم؟

بعد 11 عاماً من المفاوضات والأخذ والرد وبوساطة أميركية، توصل اللبنانيون والإسرائيليون إلى الاتفاق المنتظر من الولايات المتحدة إلى أوروبا والخليج حيث أدت التطورات الدراماتيكية للحرب الروسية – الأوكرانية إلى الحاجة الملحة الى استخراج الغاز كلٌّ حسب رغبته، فالولايات المتحدة تريد بيع الغاز بأسعار مضاعفة، أوروبا ترغب في تعويض نقص الغاز الروسي وقطر تحتاج إلى الاستثمار في لبنان نظراً الى ما سيستتبعه من دور سياسي في المستقبل اللبناني.

وإذا كان اللبنانيون عوض الاحتفال بالتوصل إلى الاتفاق “المنقذ”، فإنهم أضاعوا أنفسهم في متاهة البحث عن الرابح والخاسر سياسياً جراء هذا الاتفاق، لكن الثابتة الوحيدة التي ترافقت مع المفاوضات التي جرت على نار حامية في الآونة الأخيرة بين تهديد “حزب الله” بضرب حقل “كاريش” من جهة وإحالة رئيس الجمهورية بعض المفاوضين إلى النائب المعاقَب جبران باسيل علها تفتح مسار رفع العقوبات عن كاهله، إلا أن أمواج المفاوضات الحدودية البحرية ضربت عكس ما يشتهي أركان العهد.

ولا شك في أن لبنان في مرحلة ما بعد اتفاق الترسيم سيشهد تطورات سياسية واقتصادية إيجابية واضحة على اعتبار أن “المفاوضات الاتفاق” جرت في مكان آخر وهو ما ترجمه “حزب الله” مباركةً وقبولاً.

وفي هذا السياق، قال الباحث وأستاذ العلوم السياسية الدكتور إيليا إيليا لـ”لبنان الكبير”: “ان اتفاق الترسيم ما هو إلا صفقة إيرانية – أميركية سبقت الاتفاق النووي، وسيحقق فوائد سياسية للطائفة الشيعية لناحية إجراء تعديلات دستورية تحقق مطالبه داخل النظام السياسي”، معتبراً أن “دعوة فرقاء لبنانيين إلى حوار في سويسرا يشبه لقاء سان كلو الفرنسي سيؤدي حتماً إلى دوحة آخر قد يكون أيضاً في قطر، نظراً الى وقوفها على مسافة واحدة من الجميع وإمكاناتها المادية التي تسمح لها بلعب دور سياسي في لبنان على أن يناقش اتفاق الدوحة الجديد تعديلات دستورية تحت سقف الطائف”.

وإذا كان اتفاق الطائف يعكس تركيبة لبنان التعددية ويعطي كل طائفة ما تريده في النظام السياسي، فلا بد من أن تشكل هذه القوى المستفيدة من طبيعة النظام التعددي الحالي مقاومة سياسية تتصدى لتحوله إلى المثالثة أو أي معادلة دستورية أخرى من شأنها أن تغير ملامح لبنان المتنوع على الصعد كافة.

ولا شك في أن مرحلة سياسية سيشهدها لبنان وإن بدأت بشغور رئاسي مؤكد، فهناك تسوية سياسية تلوح في الأفق تقوم على عقد دوحة جديد يؤدي إلى تعديلات دستورية ربما تطال المهل الدستورية في التكليف والتأليف على صعيدَيْ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، كذلك تفسير بعض المواد التي بقيت غامضة من أجل إخراجها على الطريقة اللبنانية كلما دعت الحاجة، وفي حال أعطي “حزب الله” ما يريد دستورياً وسياسياً أم لا، فمن المؤكد أن اتفاق الترسيم والتسوية اللاحقة سيأتيان بقائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية نظراً الى فشل الطبقة السياسية في الاتفاق حول أي شخصية أخرى ليخرج الحل السياسي من رحم المؤسسة العسكرية الجامعة، فتتشكل السلطة السياسية على الأثر ويبدأ لبنان عهداً جديداً قائماً على ورشة إصلاحات سياسية واقتصادية برعاية دولية.

أما على الصعيد الاقتصادي فرأى إيليا أن “جيلنا لن يستفيد من غاز اتفاق الترسيم الذي يمكن اعتباره تطبيعاً اقتصادياً واضحاً، إلا أن هناك مؤشراً اقتصادياً جيداً وهو أنه في حال قرر لبنان الاستدانة من جهة ما فسيتمكن من ذلك مقابل ثروته النفطية”.

من الواضح أن لبنان سيتنفس صعداء الضغوط التي يرزح تحت ركامها على اعتبار أن اتفاق الترسيم سيؤتي ثماره الاقتصادية السريعة من خلال المساعدة في تحسين وضع الكهرباء عبر السماح بالإمدادات التي وُعد بها سابقاً، كما سيفتتح مرحلة استثمارات جيدة تعود عليه بمزيد من الدولارات وفرص العمل وهو ما سيترافق مع التسوية السياسية المرتقبة على اعتبار أن الاستثمار يرتبط بالهدوء السياسي والأمني على السواء.

وفي ما يتعلق بتحسن وضع الليرة اللبنانية وانخفاض سعر صرف الدولار، أكد إيليا أن “إعادة تشكيل السلطة السياسية، من انتخاب لرئيس الجمهورية وتشكيل للحكومة، وحدها كفيلة بانخفاض سعر صرف الدولار ليعود إلى حجمه الحقيقي أمام الذهب اللبناني”.

بات من الواضح جداً أن لبنان ما قبل ترسيم حدوده البحرية مع العدو الإسرائيلي يختلف تماماً عما بعده سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً، لتبقى الحاجة ملحة إلى إنشاء صندوق سيادي من أجل صون عائدات الثروة النفطية وتحقيق الاستفادة القصوى منها على اعتبار ألا ثقة بالطبقة الحاكمة مهما تبدلت، ولكن هل سيلعب لبنان النفطي دوراً سياسياً يوماً ما خارج الحدود؟

شارك المقال