الحريري استنفد التضحيات وعلى الآخرين المبادرة

كمال ريشا
كمال ريشا

غريب أمر الذين يطالبون الرئيس المكلف سعد الحريري بتقديم المزيد من التضحيات، أو التنازلات، وهو الذي استنفد كل ما في جعبته من حلول وزوايا منفرجة أو حادة، ولم يألُ جهداً من أي نوع للعمل على تقديم كل التسهيلات الممكنة لإيجاد الحلول للأزمة اللبنانية.
ألم يضحي الرئيس الحريري بالموافقة على انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، ومن ثم ترشيح الوزير سليمان فرنجيه ومن ثم مجاراة الحمى المسيحية التي أنتجها اتفاق “أوعَ خيك” وكادت تصل إلى حد تخوينه، ما لم يوافق على انتخاب الجنرال رئيساً لإجماع المسيحيين “الاقوياء” ومندوبهم القوي إلى رئاسة الجمهورية؟
للتذكير كانت انتخابات الرئاسة معلقة على رغبة السيد نصرالله الذي أبلغ اللبنانيين علنا ومن خلف الشاشة العريضة، قائلاً: “حين تقتنعوا برئاسة الجنرال عون يصبح للبنان رئيس”. وعلى هذا المنوال بقيت الرئاسة معلقة لأكثر من 30 شهراً، فما الذي كان يمكن للرئيس الحريري أن يفعله، فهو انتخب الجنرال وخسر من شعبيته في حين حافظ سائر الأفرقاء على قواعدهم، مسجلين انتصارات نيابية من حساب التيار الأزرق والرئيس الحريري!
للأمانة الموضوعية وحده الوزير جنبلاط رئيس الحزب الاشتراكي خسر من كتلته النيابية مع خسارة التيار الأزرق.
ألم يضحِّ الرئيس الحريري بالموافقة على قانون انتخابات يضمن خسارته المسبقة لاكثر من ستة نواب، ووصل الامر بالمسيحيين إلى حد تخوينه لنيل موافقته على قانون الانتخابات الذي سمّي بـ”قانون جورج عدوان” ولاحقا “قانون جبران باسيل”؟
ألم يضحِّ الرئيس الحريري لما يسمى بـ”جمهور ثورة 17 تشرين” وقدم استقالة حكومته استجابة لنداءات “المحتشدين” في الساحات، وهو لو لم يقدم على الاستقالة لكانت انهالت عليه اتهامات التخوين؟
ألم يرفض الرئيس الحريري ترؤس حكومة خلفاً لحكومته المستقيلة، إفساحاً في المجال امام أي حالة تغييرية على مستوى الآداء الحكومي، وبقي وتياره خارج الحكم يتفرج على انهيار البلد على يد حكومة هواة يديرها جبران باسيل بالريموت كونترول؟
وحين استقالت حكومة دياب، اعتبر في حديث تلفزيوني انه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، فقامت الدنيا ولم تقعد.
أليس الاقوى بين الشيعة هو من يترأس المجلس النيابي؟
أليس الأقوى بين الموارنة هو من يترأس الجمهورية؟
وعندما وصل الأمر إلى الطائفة السنية، صاح الجمع مطالبين برئيس حكومة صاحب اختصاص!
وفات هؤلاء، أو أنهم تعمّدوا تجاهل أن الرئيسين عون وبري لم يتخرجا من جامعات تدّرس أصول الحكم في الجمهورية أو رئاسة المجلس النيابي.
ومن جديد سال الحبر في انتقاد الرئيس الحريري ووصفه بالطامع والطامح إلى البقاء رئيساً للحكومة. وهل يختلف طموح الجنرال عون، وصهره جبران باسيل في خلافته وتربع الرئيس بري على عرش المجلس النيابي لعقود عن طموح الرئيس الحريري؟
عندما يصل الأمر إلى الرئيس الحريري تنشط أقلام التخوين، وتنشط مدارس الاستقامة في الحكم في إعطاء الدروس له في كيفية إدارة البلد.
على الأغلب قبول الرئيس الحريري التكليف هو تضحية كبيرة تهدف إلى إنقاذ ما تبقى من الدولة ومؤسساتها، وهو في موقفه هذا يحافظ على هيكل الدولة الذي أمعن العهد الحالي في هدمه، وهل ينقص توقيع اتفاقية “أخوة وتنسيق” مع طهران على يد حكومة “دمية” يتم ضمها إلى معاهدة “الأخوة والتنسيق” مع “الشقيقة” سوريا في زمن وصايتها على لبنان؟
المطروح اليوم على الرئيس الحريري حكومة بمواصفات يريدها جبران باسيل من دون أن يسمي مع تياره الرئيس الحريري لتكليفها، ومع إعلانه المسبق بأنه لن يمنحها الثقة، ومطالبته عبر عمه بتسمية جميع الوزراء المسيحيين فيها، أي عملياً حصول باسيل على النصف زائدا وزيرين أو ثلاثة أو أربعة وزراء طبقاً لعدد الوزراء، فهل هذا ما يريده المطالبون بالتضحية من قبل الرئيس الحريري؟
ولو قبل الرئيس الحريري بهذه الحكومة، ألا تسيل الأقلام عينها التي تطالبه بالتضحية، متهمة الرئيس الحريري بالخنوع والاستسلام لرغبات باسيل والعهد و”حزب الله” وإيران ودمشق؟
والحكومة الثانية للخروج من الأزمة هي التي يطرحها الرئيس الحريري نفسه، والتي تستجيب لشروط المبادرة الفرنسية، والتي لم ولن يوقع الرئيس عون مراسيم تشكيلها.
يريدون من الرئيس الحريري أن يشكل حكومة بشروط جبران باسيل، وهي حكومة معاقبة دولياً سلفاً، ألا يعني ذلك انتحاراً سياسياً للرئيس الحريري؟

حقيقة الأمر أن كل طرف سياسي في البلاد يريد الرئيس الحريري طبقاً لمقاساته ومصالحه السياسية، وحين تقع الواقعه تنهال الاتهامات على الرئيس الحريري.
لقد أعطى الرئيس الحريري كل ما عنده زائداً كثيراً من التضحيات. لقد آن الوآن للآخرين أن يبدأوا بالتضحيات وفي مقدمهم فريق العهد الرئاسي.

 

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً