جدية وساطة بري تستند إلى يأس “حزب الله” من باسيل

وليد شقير
وليد شقير

الأسبوع الطالع سيكون مفصلياً على صعيد جهود الوساطة لتأليف الحكومة الجديدة بعد التمهيدات الجدية لهذه الجهود من جهات عدة، إبرزها الالتزام العلني من قبل الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله بخيار الاستعانة بصديق هو رئيس البرلمان نبيه بري والوعد بمساعدته في اتصالاته.

ولا تخرج عظة البطريرك الماروني الكاردينل بشارة الراعي الأحد في 23 أيار عن إطار تلك الجدية، حين شدد مرتين في عبارة واحدة على الرئيس المكلف سعد الحريري أن “يبادر” إلى تقديم تشكيلة “محدثة” إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. والمعلومات تفيد أن الراعي بدوره وعد الحريري بأنه مستعد لمساعدته لدى رئيس الجمهورية عند اطلاعه من الرئيس المكلف على التشكيلة الجديدة.

لم يأتِ التفويض العلني من قبل نصر الله لبري عن عبث، ولم تكن الخيبة التي أصيب بها الفريق الرئاسي في الموقف الذي صدر عن الجلسة النيابية التي ناقشت رسالة عون إلى البرلمان الذي جدد تفويض الحريري بتأليف الحكومة، من دون مقدمات، خصوصاً أن هذين التفويض والتجديد لتكليف الحريري كانا إشارة واضحة من قبل “حزب الله” إلى “التيار الوطني الحر” بأنه لم يعد في وارد مسايرة رئيسه النائب جبران باسيل في شروطه على ولادة الحكومة.

والمتابعون عن كثب لموقف الحزب يشيرون في هذا المجال إلى وقائع عدة في هذا المجال:

أولاً: أن التباين بين موقفي بري و”حزب الله” في التعاطي مع شروط عون وباسيل على تأليف الحكومة أخذ يظهر إلى العلن، فيما عبّر بري لقيادة الحزب أكثر من مرة عن أنه لا يوافق على استمرار الحزب في مسايرة تشدد الفريق الرئاسي في عملية تعطيل الحكومة. فوجهة نظر رئيس البرلمان كانت واضحة، بأن في بعض الشروط العونية على الرئيس المكلف، فضلاً عن أنها تناقض الدستور، تمس أيضاً صلاحيات البرلمان إن لجهة منح الثقة أو لجهة تعطيل مؤسسات الدولة أمام الانهيار الكامل المحتم الذي تقبل عليه البلاد لا سيما أنه سيمس السواد الأعظم من اللبنانيين، وأن جمهور ومناطق “أمل” والحزب سيتأثران بمزيد من التدهور المالي والاقتصادي. وحسم نقاش دار بين قيادتي حركة “امل” والحزب الأمر قبل الجلسة النيابية، فأيد الأخير استئناف رئيس البرلمان جهوده في التوسط بين عون والحريري، إلا أن بري اشترط أن يصدر موقف علني من قيادة الحزب في هذا الصدد حتى لا يكون هناك التباس لأي دور يلعبه في تسريع ولادة الحكومة ويخضع للتأويلات، فيستفيد منه عون وباسيل من أجل المناورة مجدداً. وهذا ما دفع نصر الله إلى إعلان تفويض حليفه في خطابه في عيد التحرير والمقاومة الثلثاء الماضي متخطياً بذلك القاعدة التي درج على اتباعها في الأشهر السابقة، بعدم ممارسة ضغوط على الحليف العوني.

ثانياً: أن بعض قادة “حزب الله” بلغ مرحلة السأم من مواصلة باسيل وعون صد محاولاتهم معهما لخفض سقف شروطهما. وكان أحد اجتماعات المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل ومسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا مع باسيل قبل 3 أسابيع، بالغ الفشل وانتهى إلى خلاف على الشروط التي يرفعها الأخير لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى شكواه من أن الحزب بدلاً من أن يقف معه يخذله بالوقوف إلى جانب بري الذي يساير الحريري ويدعمه.

العارفون بالمناخ الذي ساد بعض قيادة الحزب إثر تلك الجلسة، وما سبقها من محاولات بعضهم يتحدث عن يأس من عون وسأم من باسيل، يشيرون إلى أن التقييم الذي خرج به هذا البعض من قيادة الحزب للموقف العوني هو أن تحريض باسيل الحزب على بري مؤداه في حال جرى التجاوب معه تصعيد الخلاف مع “أمل” وصولاً إلى فتنة شيعية _ شيعية وهذا خط أحمر يستحيل على الحزب أن يتخطاه مهما كانت الظروف، لأن نتيجته وخيمة على الجانبين، ومن نافل القول إن الحزب حاسم بأنه عندما يوضع في خيار بين علاقته مع عون وباسيل، وبين حلفه مع بري يختار بري بلا تردد. فالاحتجاج العوني على تناغم “حزب الله” مع رئيس البرلمان، لا يقتصر على موضوع تأليف الحكومة، بل يتعداه إلى مطالبة الحزب بالوقوف إلى جانب الخطوات التي ينويها الفريق الرئاسي ضد بري في موضوع التدقيق الجنائي، وما يتسرب منذ أشهر عن أن الهدف الرئاسي من وراء هذا التدقيق استهداف محيط بري وجنبلاط (والحريري). وحسمت قيادة الحزب الموقف في هذا الصدد سواء في الجلسة النيابية التي أيد فيها نواب الحزب الموقف الذي صاغه بري بالتأكيد على تكليف الحريري وعدم وجود أي مسوغ دستوري بسحب التكليف منه، على رغم وجود ملاحظات من قبل الحزب على أداء الحريري، إذ يردد بعض قادته بأن الرئيس المكلف يحرض عليه في بعض لقاءاته الخارجية.

ترفد هذه الرواية خيارات الحزب المعروفة بتفضيل بقاء الحريري على رأس الحكومة المقبلة، لأسباب معروفة تتعلق بإعطائه الأولوية في هذه المرحلة لتفادي ما يمكن أن يعيد تأجيج الحساسية السنية الشيعية في حال ساير “التيار الوطني الحر” بالموقف ضد زعيم “المستقبل”، في وقت يتجنب الحريري بدوره اتخاذ مواقف علنية ضد الحزب على رغم تلميحاته أحياناً إلى أن قوى الممانعة تقف وراء العرقلة العونية لتأليفه الحكومة. كما أن جزءاً واسعاً من جمهور الحزب يميل إلى المزاج الشعبي الذي يحمل الفريق الرئاسي مسؤولية تردي الأوضاع في البلد، فضلاً عن انتقاده سياسة التفرد في السلطة من قبل هذا الفريق، ويرى أن ثمن تأييد الحزب لعون في رئاسة الجمهورية كان باهظاً جداً عليه، بينما لا يتوانى قادة “التيار الحر” عن انتقاد الحزب وسياسته الإقليمة. ويلفت بعض السياسيين المتصلين بقيادة “حزب الله” إلى أنها لا تغفل عن محاولات رئاسة الجمهورية وباسيل “بيع” مواقف للسياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، إن في التفاوض على الحدود البحرية، أو في بعض المحطات الأخرى (الإفراج عن عامر الفاخوري) بهدف كسب ود واشنطن، إما من أجل الحصول على تأييدها في انتخابات رئاسة الجمهورية، أو من أجل رفع العقوبات الأميركية باسيل.

وإذا كانت هذه المعطيات سمحت لبري ولنصر الله أن يشددا على أن العرقلة لتأليف الحكومة داخلية بحتة، فإن بعض محيط رئيس المجلس النيابي ما زال يطرح الأسئلة حول ما إذا كانت جهود بري المدعومة بقوة من نصر الله هذه المرة ستنجح في إحداث اختراق في جدار الفراغ الحكومي. فالفريق الرئاسي يلوح كما قال باسيل في كلمته في البرلمان بإمكان تقديم استقالة نوابه من البرلمان لإفقاده الميثاقية، كون هذه الاستقالة إذا حصلت، ستؤدي إلى استقالة كتلة نواب حزب “القوات اللبنانية”، إضافة إلى الاستقالة السابقة لنواب “الكتائب”، وتقود إلى الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة. وترى قيادة “التيار” أنها لن تؤدي إلى خسائر كبيرة في حجم تكتله النيابي، في ظل رئاسة عون.

 

إلا أن أوساطاً نيابية مطلعة على موقف بري ترى أنه حتى لو استقال نواب “التيار” ونواب “القوات”، فإن هذا لا يسقط الميثاقية عن البرلمان، لأن هناك 20 نائباً مسيحياً من غير “التيار” و”القوات” باقين وموزعين على الكتل النيابية الأخرى، وبالتالي فإن التمثيل المسيحي ليس معدوماً في البرلمان، ويمكن الدعوة إلى انتخابات نيابية فرعية. وتذكّر هذه الأوساط بأن بري كان وراء التشجيع على الدعوة لانتخابات فرعية لملء شغور 10 مقاعد نيابية باستقالة 8 نواب بعد انفجار المرفأ في 4 آب المماضي، وبوفاة اثنين آخرين، لكن الرئيس عون يحجز مرسوم إجراء هذه الانتخابات ويمتنع عن توقيعه لأن فريقه يخشى الخسارة إذا جرت هذه الانتخابات.

 

وتؤكد هذه الأوساط أن استقالة نواب “التيار الحر” من البرلمان مناورة لن تنجح وفق اعتقاد بري، وبالتالي لن تغير في واقع الضغوط من أجل تأليف الحكومة في سرعة، وأن التحرك الجدي في هذا الصدد سيظهر فور عودة الحريري، خصوصاً أن بري استعجله كي ينهي سفره إلى الخارج، لكن الأخير انتقل من الإمارات إلى باريس بهدف إجراء اتصلات مع المسؤولين فيها.

 

 

 

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً