دراسة غير دستورية لانتخاب رئيس الجمهورية

محمد شمس الدين

تزامناً مع فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية، بدأت المطالعات “الدستورية”، تنهال من كل حدب وصوب، فهناك اليوم من يسوّق لنظرية أن النائب ميشال معوض، رئيس وفق الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، بحيث انتشرت دراسة تقول ان كلمة أصوات سقطت سهواً عام 1927 عند تعديل ولاية رئيس الجمهورية في حينها، وبالتالي انتخاب الرئيس ليس بحاجة إلى 86 نائباً في الدورة الأولى، بل ثلثا المصوّتين. الأمر الآخر الذي تذكره الدراسة أن النظام الداخلي لمجلس النواب، يقضي بأن لا تدخل الأوراق البيض والملغاة في عملية حساب الانتخاب، ووفقاً لهذا يكون معوض رئيساً حسب ما تقول الدراسة.

للوقوف على هذه الدراسة، تواصل موقع “لبنان الكبير” مع نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الذي أكد أن لا قيمة قانونية لكلمة “سقطت سهواً”، لافتاً الى أن “أي محاولات لتغيير النص تحتاج إلى تعديل دستوري، أي إلى هيئة عامة لمجلس النواب، وإلا فالنص واضح، رئيس الجمهورية يحتاج إلى ثلثي أعضاء المجلس النيابي في الدورة الأولى، والنصف زائداً واحداً في الدورات التي تليها”.

وعن المادة 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب، أوضح الفرزلي أن “الورقة البيضاء هي شكل من أشكال التصويت، ولا يمكن عدم اعتبارها جزءاً من التصويت، وليكف الجهابذة عن البدع الدستورية”.

أما النائب السابق غسان مخيبر فأشار الى أن هذه الدراسة تحتوي على لغط في فهم الدستور، قائلاً: “ليس هناك خلاف دستوري على عدد الأصوات التي يجب أن يحصل عليها رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 49 من الدستور، أي ثلثا الغالبية المطلقة في الدورة الأولى، والأكثرية المطلقة في الدورات التي تليها، والخلاف الحقيقي حول إن كانت جلسة انتخاب الرئيس تحتاج دوماً إلى نصاب الثلثين، وهو أمر كان موضع بحث وجدل بين الأفرقاء اللبنانيين، حتى أن بكركي دخلت على خط النقاشات مع البطريرك الراحل نصر الله صفير، ورست الأمور في النهاية على الأقل بالممارسة، على أن يكون انتخاب الرئيس بحاجة دوماً إلى ثلثي أعضاء المجلس”.

وتعليقاً على مشهد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، رأى مخيبر أن “الحل لهذا التعطيل، وإفقاد النصاب المتعمد، هو إغلاق أبواب المجلس النيابي على النواب وإجبارهم على الاقامة فيه حتى يتفقوا على انتخاب رئيس”، مذكراً بأن “هناك سابقة حصلت عام 1247 في مدينة فيتربو الايطالية، عندما أدخل سكان المدينة الكرادلة إلى كاتدرائية المدينة، وأغلقوا الأبواب، ومنعوا الجميع من الخروج أو الدخول، حتى ينتخبوا بابا جديداً”.

أضاف: “لم يدخل الخبز والماء إلا عن طريق كوّة في الجدار، وقد أجدت هذه الطريقة نفعاً، إذ انتخب الكرادلة في حينه البابا كليمنت الرابع، بعد شغور 4 سنوات في الكرسي الرسولي، وهذه الطريقة لا تزال تُتّبع حتى اليوم في انتخاب البابا، إلا أنها خضعت لتعديلات خففت من شروط الخلوة المغلقة”. ولفت إلى سابقة في لبنان بإقامة النواب داخل المجلس عام 2006 إبان الحرب الاسرائيلية على لبنان.

وختم مخيبر مازحاً: “يجب أن يُحبس النواب في المجلس للاتفاق على رئيس، وإن أمضوا وقتاً طويلاً نقطع عنهم الأكل والشرب”.

وشدد الأستاذ الجامعي والخبير الدستوري عادل يمين على أن “العرف الثابت والممارسة الثابتة منذ العام 1943 حتى اليوم، وكذلك مواقف لجنة الادارة والعدل في العامين 1982 و1988، ولجنة تحديث القوانين عام 2014، ثابتة لجهة أن غالبية النصاب المطلوبة لانتخاب رئيس للجمهورية هي ثلثا الأعضاء الذين يتكون منهم البرلمان، يعني 86 من أصل 128، أما غالبية الفوز في الدورة الأولى فهي أيضاً 86 من أصل 128، ويكتفى بالنصف زائداً واحداً في الدورات التي تليها، من مجمل أعضاء البرلمان”.

أضاف: “إن احتساب الأغلبية المطلقة من الحضور أو المصوتين، يخالف المادة 49 من الدستور، التي تقضي بالاحتساب وفق الأغلبية المطلقة، لذلك هذه الدراسة ليست في محلها الدستوري وغير واقعية”.

النظام اللبناني وضع بطريقة لا يتمكن فيها أحد من فرض أمر واقع يناقض ميثاق العيش المشترك، علماً أنه حصل سابقاً خرق لهذا الميثاق، إلا أنه لم يدم، واستطاع النظام تصحيح الطريق في نهاية الأمر، وأصلاً المنطق يرفض فكرة أن يصل أحد الى سدة الرئاسة بعدد أصوات أقل من نصف عدد نواب المجلس، وهذا الكلام تقوله مرجعيات كبرى في البلد. ولكن للأسف هناك جهابذة جدد يحاولون تفسير الدستور وفق أجنداتهم الخاصة، بدل اتباع النص والأعراف الثابتة.

شارك المقال