مع رحيل عون: هذا ما أرادته “القوات” من ترشيحه!

عاصم عبد الرحمن

أما وقد انتهت سنوات العهد العجاف الست، وككل نهاية يرغب البعض في كتابة مذكرات أو تأريخ أبرز محطات طويت، ولا شك سيحتار مَنْ يختار الكتابة عن عهد الرئيس ميشال عون ليس بسبب الانهيار متعدد الأوجه الذي شهده، بل لأن اللبنانيين سيحتاجون عهوداً لنسيان العهد الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ومع رحيل الرئيس عون عن قصر بعبدا فلا بأس من العودة إلى محطة ترشيحه من “القوات اللبنانية”، فما الذي أرادت تحقيقه من ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية؟

في 18 كانون الثاني 2016 ومن تلة معراب العاصمة السياسية لحزب “القوات اللبنانية” وحيث يقيم رئيسها الدكتور سمير جعجع أعلن عن الوصول إلى اتفاق سياسي أقرب إلى صفقة تحاصص المغانم السياسية والإدارية وغيرها بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” تحت عنوان ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وفق شعار مرشح أكثر من 80% من المسيحيين، وعلى الأثر أطلقت الحملات الاعلامية على صعيدَيْ الحزبين المسيحيين حول ضرورة احترام شبه الإجماع المسيحي حيال خياره الرئاسي وإلا فكل مَنْ يقف في وجه هذا الاتفاق لا يحترم رغبة المسيحيين في اختيار مَنْ يمثلهم في سدة الرئاسة.

وفي هذا السياق، علم “لبنان الكبير” من مصادر عليمة في مفاوضات اتفاق معراب أن الرغبة القواتية الحقيقية لم تكن في انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية بل أن ينطوي الاتفاق على تقارب سياسي بين الحزبين فقط، على أن يصبح الفريقان المسيحيان جناحَيْ التمثيل المسيحي على غرار كل من الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وكانت ترغب في عدم سير رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري في خيار انتخاب ميشال عون لتقول للجنرال: وصلنا إلى حائط مسدود في انتخابك وبات لزاماً علينا التباحث في مرشح توافقي، على أن يتم اختيار الرؤساء لاحقاً بين الفريقين حصراً، وبذلك يستعاد الدور المسيحي المخطوف بحسب الفريقين.

وفي سياق متصل، تقول المصادر نفسها لـ “لبنان الكبير” ان رغبة “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” كانت تكمن في اختصار التمثيل المسيحي على حساب المستقلين والأحزاب المسيحية الصغيرة كحزب “الكتائب اللبنانية” وتيار “المردة” وغيرهما تحت شعار استعادة حقوق المسيحيين وفرض التمثيل القوي في إدارات الدولة والمجلس النيابي والحكومة وغيرها.

ولكن مع دخول كل من تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” في مفاوضات التسوية الرئاسية الشهيرة، رُسِّخ خيار انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية على أن يصار إلى انتخاب سمير جعجع خلفاً له في الانتخابات الحالية. أما وقد سارت الغالبية الساحقة من القوى السياسية في التسوية الرئاسية فلا بأس على اعتبار أنه رئيس “صنع في لبنان” كما تفاخرت بصناعته يومها النائب ستريدا جعجع، انطلق قطار العهد بمؤازرة معظم القوى السياسية إلا أن أطماع جبران باسيل في تحويل هذا العهد إلى امبراطورية عونية كمرحلة أولى ليستبدل الباسيليون فيها لاحقاً أطاحت الاندفاعة التي رافقت انطلاقة العهد، فانفضّ معظم هذه القوى الداعمة من حوله ليبقى وحيداً مصارعاً الجميع من دون استثناء حتى الحليف اللصيق “حزب الله” لم يسلم أحياناً من شظايا إطلاق النار العوني وإن كان في غالبيته بهدف التمايز وشد العصب المسيحي من حوله.

وعلى الرغم من مواجهة “القوات اللبنانية” لأركان العهد في مختلف القضايا والاستحقاقات، إلا أنها كابرت ولم تتلُ فعل الندامة حيال انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية على اعتبار أنها حمت الجمهورية من السقوط في براثن تغيير النظام وسقوط طائف الشراكة والمناصفة، ولو عاد بها الزمن إلى الوراء لكررت فعلتها للمرة الثانية تحت قبة ظروف مشابهة.

في الممارسة السياسية يخطئ الجميع، وفي علم السياسة يفترض أنهم يحاسبون في صناديق الاقتراع أكثر الأساليب ديموقراطيةً، إلا أن العمل السياسي في لبنان لا ينتمي في الممارسة إلى أي مدرسة سياسية، فيحاسب البعض، ويكافأ البعض الآخر، وهناك مَنْ لا يعترف بأخطائه فيستمر في ارتكابها تحت شعارات واهية لا تغني عن تراكم الأزمات المتعددة ولا تسمن من جوع اجتراح الحلول المطلوبة. فهل سيتعلم اللبنانيون كيفية ممارسة العمل السياسي الديموقراطي والاحتكام دوماً إلى خيار الدستور والقانون؟

شارك المقال