عودة نتنياهو لحكم إسرائيل… ما المتوقع؟

زاهر أبو حمدة

تزامنت انتخابات الكنيست هذه المرة مع الذكرى الـ105 لـ”وعد بلفور” والذكرى الـ27 لاغتيال إسحاق رابين (4 تشرين الثاني 1995). نذكر هاتين المناسبتين لأن الأولى هي أساس الرؤية الاستعمارية الغربية لإنشاء قاعدة عسكرية مع “دياسبورا” غير متجانسة ويجمعها الدين بمذاهبه المتعددة بين المشرق والمغرب العربيين، وذلك على أرض فيها شعب متجانس منذ قرون وفيه الملكية العامة والفردية تؤكد ذلك. والأداة المستخدمة لفرض الاستعمار والاحتلال، القتل والتدمير والتهجير بدعم الحكومة الانكليزية. أما اغتيال رابين فلأنه اختار إعطاء حكم ذاتي للشعب الأصلي على جزء صغير من الجغرافيا المحتلة، فكان مصيره القتل أيضاً.

ومن هنا، مع عودة “الفاسد” بنيامين نتنياهو الى الحكم بغالبية مع “الصهيونية الدينية” بزعامة ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، تعود “دولة المستوطنين” إلى المربع الأول في “وعد بلفور” أي الاستعمار المتواصل والمتمدد وبدعم غربي، بحيث قال جو بايدن قبل أيام: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها”. صحيح أن جميع الأحزاب الصهيونية لا تريد تسوية سياسية أو دولة فلسطينية لكن فوز اليمين يُعرّي المشروع بوضوح أكثر. وهذا ما يعلنه نتنياهو منذ وصل إلى الحكم عام 1996 وبنى مخططه السياسي في كتاب “مكان تحت الشمس”، وفيه يؤكد عدم السماح بقيام دولة فلسطينية أو دولة واحدة متعددة القوميات. أما بن غفير فهو صاحب شعار “الموت للعرب”. وهذا يكفي لمعرفة المرحلة المقبلة، وسيتوسع القتل والاضطهاد والطرد ليصيب فلسطينيي 48 وليس في القدس والضفة وغزة وحسب. ويكفي معرفة أنه منذ 30 عاماً لم يكن عضو درزي في الكنيست لتأكيد أن الخطر الأكبر على مليون و600 ألف فلسطيني داخل الخط الأخضر.

أما بالنسبة الى الضفة الغربية، فسيعاود نتنياهو محاولة ضم ثلث الضفة وتنفيذ “صفقة القرن” وفرض أمر واقع جديد. وهذا ذكره في سيرته الذاتية المنشورة حديثاً بعنوان “بيتي: قصتي” وفيه يؤكد موافقة دونالد ترامب على ذلك، لكنه تراجع في اليوم التالي من دون ذكر الأسباب. وبالنسبة الى غزة ستستمر لعبة العصا والجزرة، لكن ربما يغامر بضغط من أقرانه في الحكومة الجديدة في تنفيذ عدوان جديد. أما الاختبار الناري فانسحاب نتنياهو من “تفاهم الغاز” مع لبنان وفقاً لما أعلنه في حملته الانتخابية.

ومن المتوقع أن يكون بن غفير، الحاكم الفعلي للحكومة باعتباره يملك أكبر كتلة في تحالف نتنياهو، وإذا تسلم وزارة وازنة صانعة للقرار مثل الخارجية أو الأمن أو المالية، فهذا يعني أن إسرائيل ستكون في إشكاليات كبيرة في الداخل والخارج وتحديداً مع الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تتعمق الخلافات بين الاحتلال والبيت الأبيض لا سيما إذا خسر الديموقراطيون الانتخابات النصفية في الكونغرس. ومعروف التضارب في الرؤى بين إدارة بايدن ونتنياهو تجاه القضية الفلسطينية والملفين الإيراني والروسي. والأهم أن حكومته فيها بن غفير وسيكون من الصعب على البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية التعامل معها. وكان هناك تحذير أميركي لنتنياهو، من مغبة الاستعانة بشخصيات يمينية متطرفة في أي حكومة مستقبلية، ما قد يضر بالعلاقات بينهما. وحذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الديموقراطي روبرت مينينديز، من ضم بن غفير في حكومة مستقبلية. ونقل موقع “والا” الالكتروني عن مصدرين أميركيين كانا حاضرين في اجتماع ثنائي بين نتنياهو ومينينديز، أن عواقب ذلك التحالف ستكون سلبية ومضرة بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومينينديز، من أقوى الشخصيات وأكثرها نفوذاً في الكونغرس فيما لو تعلق الأمر بالسياسة الخارجية، خصوصاً في الشأن الإسرائيلي.

ومما لا شك فيه أن انتخابات الكنيست الخامسة في أقل من 4 أعوام، بمعدل جولة انتخابية كل 7 أشهر، تدلل على أن أي حكومة تُشكل ستكون هشة لاسيما وأن الطروحات الكثيرة في أي تحالف تتضارب فيها المصالح الحزبية والقومية. لذلك سيكون الاختبار الأول لها على صعيد الأمن في الضفة الغربية، ومن ثم كيفية تعامل الفلسطينيين مع الحكومة الجديدة، فصعود اليمين المتطرف في إسرائيل سيدفعون ثمنه أولاً. وعليه سيجد الفلسطينيون أنفسهم في موقع الدفاع السياسي والميداني، وفي هذه الحالة لا يمكن البقاء في مسار التسوية السياسية والسلام الاقتصادي. باختصار نحن أمام الانفجار الكبير في فلسطين والفتيل سيكون بن غفير وخادمه نتنياهو.

شارك المقال