“يو أس إي توداي”: بايدن لن يجلب السلام إلى الشرق الأوسط

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “يو أس إي توداي” (USAtoday) الأميركي مقالاً أشار فيه إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيركز على الأولويات المحلية لبلاده بشكل أكبر نظرًا للتحديات التي تفرضها مهمة التعافي الوطني وبالتالي، لن يحتل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو في منطقة الشرق الأوسط، سلم أولوياته. وفيما يأتي ترجمة للمقال الموقع بقلم الباحث في الشؤون الجيوسياسية والاستراتيجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي آرون ديفيد ميلر.

بايدن ليس معجباً بنتنياهو

“في الوقت الذي عبّر فيه المتابعون كلهم تقريباً، كالأمم المتحدة والأوروبيين ومنظمات حقوق الإنسان وجامعة الدول العربية وسواها وربما بشكل أكثر إثارة للدهشة، العديد من الديمقراطيين في الكونغرس وشخصيات في وسائل الإعلام عن ردود أفعال إزاء حرب إسرائيل مع حماس في غزة وعدد الضحايا الذين سقطوا في صفوف المدنيين، لن يعلو صوت شخص مهم جداً في أي وقت من الأوقات قريباً على الأرجح (في إشارة لبايدن). وليس لذلك صلة بعدم إعجابه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بعد كل ما شهده من بيبي قبلاً عندما شغل منصب نائب الرئيس في العام 2010، فاجأه نتنياهو وأهانه بإعلانه عن توسع كبير للمستوطنات في القدس الشرقية. لا شك في أنه رئيس مؤيد جداً لإسرائيل، ولكنه ليس من مؤيدي نتنياهو. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يبحث عن إشعال معركة، فإن بايدن سيلتزم. لكن الرئيس لا يبحث حالياً عن حرب للأسباب التالية:

الحكم مسألة مرتبطة باتخاذ القرارات. وإذ يواجه بايدن تحديًا بخوض أكبر مهمة لتحقيق التعافي الوطني منذ عهد فرانكلين روزفلت، دون هوامش كبيرة داخل مجلسي النواب والشيوخ، ينصبّ تركيزه الآن بشكل أكبر على الأولويات المحلية، بما في ذلك مكافحة فيروس كورونا وتمرير مشاريع قوانين إصلاح البنية التحتية والشرطة ومحاربة درجة استقطاب سياسي وعرقي لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ عقود. وهو مصمم بالتأكيد على استعادة الدور القيادي لأميركا في الخارج، لكن أولويات سياسته الخارجية تتمحور حول الصين والمناخ وليس الشرق الأوسط، ناهيك عن عملية سلام عربية إسرائيلية غير مختمرة بعد.

وبخلاف ذكره الموجز لليمن، أغفل الرئيس بايدن حتى ذكر الشرق الأوسط في خطاب رئيسي ألقاه في وزارة الخارجية في شباط الماضي. وقد أجبرت الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية الحالية الإدارة الأميركية على التدخل. لكن لا تشير رحلة الوزير بلينكن الأخيرة إلى ما يعزّز وقف إطلاق النار وحشد المساعدات لغزة كما لا تشير تصريحات بايدن العلنية إلى تطلعه إلى الشروع في مبادرة سلام رئيسية في الشرق الأوسط.

ولطالما شكل بايدن داعماً قوياً لإسرائيل. ولا توحي الأزمة الحالية إلا قليلاً برغبته في معركة كبيرة مع نتنياهو. فعلى الرغم من أنه ضغط أخيراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، وقف على مدى أسبوع كامل إلى جانب حملة نتنياهو ضد حماس، ودعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ومنع أي قرار ينتقد إسرائيل داخل الأمم المتحدة، ولم يستخدم أبداً عبارة وقف إطلاق النار. وبغية تجنب الانتقادات العلنية الأكثر صرامة لنتنياهو خلال سنوات عهد أوباما، شدد بايدن على ضرورة الحفاظ على الهدوء في الكواليس الدبلوماسية.

وفي الواقع، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يتبع بايدن نموذجا يشبه أداء بيل كلينتون أكثر من أوباما، الذي ضغط على نتنياهو بشأن كل من الاتفاق النووي الإيراني وعملية السلام في الوقت نفسسه. وكلا الرئيسين من السياسيين المخضرمين في نظام سياسي يعتبر العلاقات “الجيدة” مع إسرائيل سياسة ذكية ويتأصل الإحساس المؤيد لإسرائيل بعمق في الحمض النووي السياسي. وفي ظل جهود الولايات المتحدة الأميركية للعودة للاتفاق النووي الإيراني، وهو اتفاق لا يستطيع نتنياهو الالتزام به، ربما يقترب بايدن من نقطة حرجة تختبر أوراق اعتماده المؤيدة لإسرائيل قريبًا.

ويشكل الخلاف مع إسرائيل خطرا مهنياً. وبالطبع خاضه بعض الرؤساء حين بدا لهم أن المعركة تعد بنجاح كبير في السياسة الخارجية، ما يجعل من أي خلاف مصدر اهتمام. واختلف ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر كثيرًا مع إسرائيل حول الدبلوماسية في أعقاب حرب 1973. كما تصارع جيمي كارتر مع مناحم بيغن حول المستوطنات في الطريق إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وضغط جورج بوش (41 عامًا) وجيمس بيكر على إسرائيل بشأن القضية نفسها قبيل مؤتمر سلام مدريد الناجح. لكن الشجار مع الإسرائيليين حول عملية سلام تصنف في حالة غيبوبة وسط انعدام الثقة العميق والسام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبغياب أي فرصة للتوصل إلى اتفاق كبير، لا يستحق كل هذا الجهد.

دعم الديموقراطيين لإسرائيل

وصحيح أن بايدن يمتلك غطاء سياسياً أكبر لمثل هذه المعركة إذا حصلت إذ يضغط الديمقراطيون التقدميون بالفعل على الإدارة لتتجاوز وقف إطلاق النار وتتصدى لسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تضر بالفلسطينيين. وشهدت الأزمة انتقادات أكثر من مؤيدي الحزب التقليديين لإسرائيل أيضًا. وإذا حاول نتنياهو تخريب سياسة أميركا تجاه إيران أو المضي قدمًا في توسع استيطاني كبير، فإن بايدن سيقابله بالرفض.

ومع ذلك، تتمتع إسرائيل بدعم قوي من الحزب الديمقراطي، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا إيران وحماس. ويدرك بايدن أن الشجار مع إسرائيل هو سياسة سيئة بهامش ربح ضئيل للغاية. ومن المؤكد أن التقدميين سيميلون إليه لكن ذلك لن يكون حال الديمقراطيين الرئيسيين، وسيعمد الجمهوريون على غرار ترامب لتصوير الحزب الديمقراطي بأكمله على أنه معاد لإسرائيل. وإذا نجحت جهود الإدارة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، علما بأن التقارير الواردة من محادثات فيينا تشير إلى إحراز تقدم، فسينشغل بادين بمحاولة إدارة صفقة تعارضها إسرائيل والعديد من الأصوات المؤثرة داخل حزبه بشدة. والحقيقة أن آخر ما يحتاج إليه رئيس مشغول ومثقل بالأعباء، هو معركة مشتتة وفوضوية مع حليف وثيق. لذا سيبذل جو بايدن جهوداً كبيرة لتجنب إثارة أي منها”.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً